صالح الشيحي

يشتهر الإنجليز بـ laquo;البرودraquo;.. كثيرا ما نقرأ عن laquo;البرود الإنجليزيraquo;.. هذا وصفٌ لا يغضبُ أحداً، وليس بحاجة لإثباتات.
تسير في laquo;نايتس بريدجraquo; منتصف النهار.. الشارع نظيف للغاية، عدا أوراق الشجر المتساقطة التي تملأ جانبي الشارع.. الجو غائم.. الحركة المرورية منضبطة كعقارب الساعة.. يصادفك الإنجليزي يسير على قدميه.. يسير بخطى عسكرية واثقة.. كأنه laquo;كومودورraquo; سابق في سلاح الجو الملكي البريطاني.. يبدو بكامل أناقته.. تتأمله بدهشة.. تحاول أن تسبر laquo;ملامحهraquo;.. تحاول أن تتفحصها.. تحاول قراءتها بشكل جيد.. تجتهد أكثر في قراءتها.. تفاجأ بـ laquo;وجهraquo; بارد.. وجه لا يحمل أية تعابير تذكر!
لا تعرف هل هو سعيد.. أم حزين؟
هل هو مبتهج ومسرور ومتفائل.. أم هو متشائم وغاضب ومكتئب؟
هل تمتلئ جوانحه بالسعادة والتطلع للحياة، أم أنه كومة من الفشل والإحباط؟!
هل هو جائع لم يذق الطعام منذ الليلة البارحة، أم هو متخمٌ بالبطاطس المقلية بشحم البقر؟!
برود قاتل.. وجه جامد تماما، يخلو من أي تعابير.. ملامح غامضة لا يمكن قراءتها.. مومياء تسير على قدمين.. القطب المتجمد الشمالي على هيئة رجل!
والمفارقة أن الإنجليز يتم تصنيفهم من الشعوب الثائرة.. قاموا بثورات كبرى، وخاضوا حروباً ومعارك طاحنة.. أيضاً: جماهيرهم الرياضية من أسوأ الجماهير سلوكاً وشغباً!
ما شأننا وraquo;الإنجليزraquo; اليوم؟!
في الفضاء العربي المشحون، حيث: لا شمس مشرقة، ولا شوارع نظيفة.. تطل علينا كل مساء وجوه تذكرنا بذلك laquo;البرودraquo; الإنجليزي!
يقرأ المذيع خبراً يقول: laquo;سقط 20 قتيلاً على الأقل وأكثر من مائتي جريح في المواجهات التي اندلعت بين قوات الأمن الليبية وآلاف المحتجين في مدينة بنغازيraquo;!
يفزعك الخبر.. تتجرع روحك الحزن، ويعتصر الألم قلبك.. يثير استغرابك أن المذيع متبلدٌ تماماً.. تماماً.. لا يبدو عليه أي مظهر من مظاهر التأثر.. تسأل نفسك: هل من المعقول أن يصل تبلد المشاعر إلى هذه الدرجة؟
في قناة أخرى.. يختم المذيع النشرة بخبر يقول: laquo;أكدت مصادر طبية يمنية وقوع 41 قتيلاً على الأقل، وعشرات الجرحى في العاصمة صنعاءraquo;. .. أيضاً: ثمة وجه بارد لا يبدو عليه أي مسحة حزن.. يطل السؤال برأسه مرة أخرى: هل من المعقول أن يصل تبلد العاطفة إلى هذه الدرجة؟
- في قناة ثالثة يودعنا مذيع غبي آخر بابتسامة، على وعد أن يلتقينا على رأس الساعة، تغيب الصورة فيما ابتسامته لا تزال تلمع.. كأننا أمام دعاية معجون laquo;سنسوداينraquo;!
برود مستحكم.. لا تعلم هل ينتمي هؤلاء المذيعين لهذه الأمّة، أم لأمّة أخرى؟
نحن لا نريد المذيعين العرب أن يذرفوا الدموع على الهواء.. أبداً.. ولا نريدهم أن laquo;يتباكواraquo; وهم يقرؤون هذه الأخبار.. كل ما نريده أن يتفاعلوا مع المذابح التي تشهدها الخريطة العربية.
نريدهم أن يُظهروا لنا قليلاً من التأثر على هذه الدماء التي تملأ الشارع العربي..
نريد -خلال هذه الفترة بالذات- أن تختفي ابتساماتهم عندما يختمون نشراتهم.. لا نريدهم عندما يُعلنون عن نهاية النشرة، أو الموجز، أن يودعونا بابتسامة!