واشنطنrlm;:rlm; عزت إبراهيم


هل ما نقرأه من آراء للنخب السياسية الحاكمة وغير الحاكمة في العواصم الكبري في الغرب يعكس الواقع أم أن هناك مساحات رمادية يقع في أسرها الجميع وتلهينا عن تفاصيل الصورةrlm;!rlm; قصة التدخل الغربي ضد العقيد معمر القذافي ترسل إشارات في اتجاهات مختلفة حول الدور الأمريكيrlm;-rlm; والأوروبي.

ايضا- بشأن ترتيبات الشرق الأوسط في مرحلة ما بعد الثورات العربية المتتابعة فهي من وجهة نظر مراقبين أمريكيين مجرد النقلة الأولي التي ستسمح بتدخل مباشر لرسم خريطة جديدة في المنطقة العربية أو هي محاولة من رئيس أمريكي ينتمي' نظريا' للمدرسة المثالية في أن يكون في الجانب الصائب من التاريخ عن طريق مساندة شعب يبحث عن حريته وتقديم نموذج لخصومه السياسيين عن إمكانية العمل مع الحلفاء الدوليين لمواجهة أزمات كبري, حتي ولو تجاهل ثورات في دول أخري أو تعامل بحسابات سياسية دقيقة معها وليس مع الجانب الإنساني, لكن المؤكد أن مسار الحملة العسكرية وتفاصيلها واحدة من حلقات متتابعة لاهتزاز وتذبذب السياسة الخارجية الأمريكية في الحقبة الراهنة وفرصة لمعرفة مسارات قادمة!
بداية.. كل رئيس أمريكي يترك بصمة في كتاب الرؤساء بمغامرة عسكرية أو حرب تترك علامة في تاريخه بالبيت الأبيض من وودرو ولسن في العقد الثاني من القرن العشرين إلي باراك أوباما في مستهل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين واليوم الدور علي الأخير ليكتب فصلا جديدا من بوابة ليبيا, حيث المواجهة تدور بين قوات العقيد معمر القذافي الذي يرفض مغادرة السلطة ويستخدم العتاد الحربي الثقيل ضد شعبه وبين جماعات المتمردين علي حكمه. قبل التوجه إلي مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار بالتدخل العسكري الشهر الماضي, استبعد كثيرون أن تقوم الولايات المتحدة بعمليات عسكرية جديدة بعد العراق وأفغانستان ـ علي الأقل علي المدي القصير ـ ثم جاء التدخل ضد النظام الليبي ليظهر بوضوح أن النزعة العسكرية الأمريكية لا تتغير بتغير الأيديولجيات الفكرية للرؤساء في السلطة خاصة لو اقترنت بطموح الرغبة في إظهار تفوق أمريكا علي قمة هرم القيادة العالمية وحسابات انتخابية داخلية صريحة. فقد حانت فرصة امام الرئيس أوباما لدخول' الحرب الثالثة' التي تقودها واشنطن في عشر سنوات قبل بدء معركة انتخابات الرئاسة المقبلة من أجل إثبات قدرته علي الحفاظ علي مبدأ المبادرة من جانب الولايات المتحدة في التدخلات العسكرية في صورة العقيد الليبي الدي يحمل سجلا سلبيا يوفر غطاء ملائما لعودة واشنطن إلي بناء التحالفات الدولية ضد الخصوم في شكل أكثر قبولا للمجتمع العالمي وهو' التشاور قبل التحرك' حتي لو كانت أمريكا في صدارة القيادة وهو التصور الذي سعي فريق في الإدارة الإدارة الأمريكية للترويج له في الشهور الماضية, ووجد فرصة سانحة في حالة ليبيا ومن بوابة العمل الإنساني أيضا وهو ما ترك أثرا علي شكل النقاش الداخلي في الولايات المتحدة. فالترويج للتدخل لأهداف إنسانية- حتي ولو من باب التوافق مع المجتمع الدولي ومطالب الحلفاء في أوروبا- لا يروق لمعسكر كامل في السياسة الأمريكية مازال يؤكد أولوية المصالح القومية الأمريكية المباشرة دون أية مبررات اخري, ويري أن التعاون مع الأمم المتحدة دليل ضعف وليس إحكاما للسيطرة الأمريكية علي العمل الجماعي الدولي. في خطاب أوباما حول ليبيا الأسبوع الماضي امسك الرئيس الأمريكي العصا من المنتصف في التعامل مع الفريق المؤيد في إدارته للتدخل في ليبيا لأهداف إنسانية وبين الفريق الآخر الرافض لطريقة صناعة القرار, وفقا للاعتبار السابق فقد قال إن التدخل لن يشكل سابقة لتلك العمليات لأن الولايات المتحدة لا يمكنها التدخل في كل بقعة من العالم لأغراض إنسانية وفي الوقت نفسه قال إن وضع بلاده في العالم لا يجعلها تشاهد ما يجري دون ان تتحرك لمساندة القضايا الإنسانية. في هدا الشأن صكت ان-ماري سلاتر مدير التخطيط السياسي السابقة في وزارة الخارجية الأمريكية والباحثة المرموقة في جامعة برنيستون مفهوما جديدا يقول' عدم الفعل من جانب أمريكا هو فعل في حد ذاته' يراه العالم بالسلب او الإيجاب. وقد كانت أهداف الإدارة الأمريكية من قيادة العمليات الجوية ضد قوات الزعيم الليبي طموحة في البداية حيث بدأت بمنطقة الحظر الجوي ثم توجيه ضربات ضد أهداف بعينها لشل قدرة قوات القدافي علي استهداف المدنيين بالترسانه, الحربية الثقيلة ثم حدثت انتكاسة نتيجة خطأ في تقدير الأوضاع علي الأرض وصعوبة فرض المعارضة الليبية سيطرتها بل وتراجعها في مدن ومناطق استولت عليها. وقد ابدت قيادات جمهورية تحفظها علي وضع سقف محدد للعملية العسكرية فيما يتصل بالاقتصار علي الضربات الجوية ونفي استهداف العقيد القدافي شخصيا. واعتبرت القيادات الجمهورية في الكونجرس الإعلان عن تلك الخطوط الحمراء انكشافا لخطط التحالف ضد النظام الليبي. وفي ظل الوضع الراهن ربما ينزلق المجتمع الليبي إلي حرب أهلية طويلة الأمد وربما تحسم الأمور في إطار صفقة غير متوقعة.
وقد نصحت شخصيات بارزة أوباما-مثل زيجينو بريجينسكي المستشار الأسبق للأمن القومي في إدارة كارتر- بتقليل سقف الأهداف في ليبيا. ويعيد بريجينسكي رسم خريطة طريق جديدة للتحرك ضد القدافي تقوم علي الوصول إلي صيغة محددة حول القرار الدولي رقم1973 حول ليبيا والتركيز علي العمل السياسي وليس فقط التدخل من أجل أهداف إنسانية من أجل وقف تشتت العملية الحربية ومنع الانزلاق إلي اللجوء إلي تدخل عسكريا غربيا لحسم الأمر. وتتجمع اليوم سحب عدم وضوح الرؤية في واشنطن فقد قال الكاتب ديفيد إجناتيوش( واشنطن بوست) إن الاستراتيجية حيال ليبيا تقوم علي الآمال والتوقعات بدلا من وضع تصور لنهاية اللعبة وبهذا المعني فإن السياسة الأمريكية ما زالت تفتقر إلي' الوضوح الاستراتيجي'. المأزق الحالي يتمثل في عدم رغبة الإدارة الأمريكية في القفز إلي المجهول لإسباب عديدة أهمها الخلافات بين قيادات المعارضة حتي أن رئيس اللجنة السياسية لجبهة المتمردين قال' إنهم يتصرفون مثل الأطفال' والأمر الثاني أن هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية قالت الأسبوع الماضي-وفقا لمسئول في البيت الأبيض- أن واشنطن لا يمكنها التسرع بتقديم أسلحة للثوار خشية دعم مجموعات لا تعرفها حق المعرفة- تحديدا الجماعات المتشددة دينيا والتيارات القريبة من تنظيم القاعدة.
وكانت وسائل الإعلام الأمريكية قد ركزت في الأيام الأخيرة علي معرفة تاريخ زعماء التمرد وشكلت المعلومات عن' خليفة هفتار' الجنرال السابق والمعارض المقيم علي بعد أميال قليلة من مقر وكالة الإستخبارات الأمريكية في ولاية فيرجينيا الأمريكية منذ أكثر من25 عاما لغزا للرأي العام وتناولت الميديا الأمريكية تاريخ الرجل وأخرين تلقوا تعليمهم في الولايات المتحدة باستغراب شديد لأن الإدارة لا تريد القفز إلي المجهول بينما واحد من ثلاثة زعماء كبار للمتمردين موجود فوق الأراضي الأمريكية منذ زمن! وتشير المعلومات أن بعض رجال المعارضة الليبية قد انتقلوا إلي الصفوف الأمامية في الحرب الدائرة في ليبيا بتنسيق مع أجهزة الاستخبارات الأمريكية والغربية- بوجه عام- من أجل إستجلاء المواقف ومعرفة الشخصيات وتشكيل مجلسا إئتلافيا لا يكون مفاجأة للإدارة الأمريكية في حال وصوله للسلطة ومن اهدافه حماية حقول النفط وتأمين الواردات البترولية للقارة الأوروبية وهو هدف رئيسي للحملة العسكرية الحالية. وبالتالي ليس كل ما تتناقله وسائل الإعلام عن غياب الرؤية صحيحا تماما.
في الأيام الأخيرة وضح أن التقدم ثم التقهقر هو سمة أداء المعارضة الليبية المسلحة علي الأرض وأضيف إلي نقص الخبرات القتالية للمعارضة قدرة القوات التابعة للعقيد الليبي علي خداع مقاتلات التحالف الذي يقوده حلف شمال الأطلنطي عن طريق استخدام ناقلات جنود وسيارات مشابهة لحافلات المقاومة مما حد من تأثير ونطاق العمليات وهو ما دفع الأمريكيين إلي التفكير في عملية تأهيل وتدريب للثوار تستغرق بعض الوقت وتعوض فارق الخبرة العسكرية في الوقت الذي تتواصل عملية استقطاب شخصيات بارزة في الدائرة المحيطة بالعقيد الليبي مثلما حدث مع موسي كوسا وزير الخارجية الفار إلي لندن قبل أيام قليلة تضيق الخناق وترفع سقف الضغوط علي النظام في طرابلس.
تفاعلات الساحة العربية كشفت المساحات الرمادية في السياسة الأمريكية أكثر والتباين في إدارة الأزمات من بلد إلي اخر لا تخطؤها العين لكن هناك تصور آخذ في التشكل في كواليس السياسة الأمريكية حول الأدوار القادمة في الشرق الأوسط فليس كل ما يدور علي شاشات التليفزيون ومن مقالات في الصحف الكبري يمكن التسليم به, فالتخبط وارد ولكن إعادة بناء السيناريوهات والتحالفات والأدوار لا يتوقف لحظة واحدة!