علي حماده

لم يعد وصف الوضع في سوريا يندرج تحت عنوان الاحتجاج العرضي او الموضعي الضيق. فالحراك الاحتجاجي يلامس حدود الانتفاضة السياسية ان لم نقل الثورة على الواقع السياسي بشقيه الأمني والمعيشي. والاحتجاجات كبيرة ومن غير الممكن للحكم ان يخفيها او يقلل من شأنها، او بأن يقنع احدا ان ما يحصل هو نتيجة لمؤامرة عنوانها، كما حاول الرئيس بشار الاسد ان يقول في خطابه غير الموفق عصر الاربعاء الماضي، وابعادها اقليمية متصلة بالدور السوري في المحور الممانع. فمن يتظاهرون في الشوارع وفي صحون المساجد، وفي الساحات والقرى والمدن، ومن يخرجون مكشوفي الوجه وصدورهم عارية لمواجهة الرصاص الحي والهراوات والغازات المسيلة للدموع لا يخرجون في اطار اجندة معادية للممانعة، بل انهم يخرجون ليقولوا للحاكم وللعالم اجمع انهم ضاقوا ذرعا بالطريقة التي حُكموا بها طوال اربعة عقود. يخرجون ليصرخوا وجعهم من الظلم، والقهر والفساد: انهم يخرجون لملاقاة الموت تحت شعار الكرامة والحرية لكل السوريين.
إذاً لا مناص من التعامي عن الحقيقة، والتهرب من الواقع المستجد في سوريا حيث ينكسر جدار الخوف، وتصدح الحناجر وترتفع القبضات في سبيل انهاء واقع داخلي ما عادوا يريدون ان يستمر، وخصوصا تحت شعارات عفا عليها الزمن، وانتفت قدرتها الاستقطابية، وصارت الوجه الآخر لحالة من العبودية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والانسانية المديدة. وبسقوط اول قطرة دم سوري برصاص الحكم الحي سقطت كل الشعارات دفعة واحدة. هذا ما يحصل في سوريا. وقد أتى أداء الرئيس السوري بعدما كان منسوب التوقعات الايجابية عاليا ليقنع المترددين بأن شيئا في سوريا لن يتغير طوعا، وان الشعب يحتاج الى ان يرسم بيده مستقبله ومصيره.
لا يعني ما تقدم انعدام خيارات الرئيس السوري الإنقاذية. فما زالت امامه فرص يمكنه ان يلتقطها بذكاء اذا ما احسن الاستماع الى صوت العقل، وبالتحديد الى صوت شعبه الذي ما برح يطلق أجراس الانذار منذ ثلاثة اسابيع ونيف. ان الاصلاح الحقيقي لا يكون منطلقه مسرحية مجلس الشعب المخجلة، ولا إطلاق النار على الناس، ولا حتى إظهار القوة برفع سلاح المواجهة مع مؤامرات مزعومة أو مندسين خياليين، فبداية الإصلاح تكون بالتواضع امام الشعب واوجاعه.
اننا في لبنان لا نريد التدخل في شؤون سوريا الداخلية، لكننا لا نستطيع ان نتجاهل هذه الحركة الشعبية الواسعة والمتنوعة، تماما كما لم نتجاهل الثورات في تونس ومصر وليبيا واليمن والحراك في البحرين. واملنا هنا ان يسلك الحكم السوري طريق التصالح مع رغبات الشعب قبل فوات الاوان.