القاهرة - سيد صالح


في السياسة أمور تقبل الاتفاقrlm;,rlm; والاختلافrlm;!rlm; فأنت قد تعطي صوتك لهذا المرشح أو ذاكrlm;,rlm; أو لهذا التيار أو الحزب أو ذاكrlm;,rlm;
وذلك كله يجب أن يكون بإرادة حرة, ونزيهة, لا تحت تأثير دعاية تتمسح بالدين, أو تتخذه كغطاء لتحقيق مكاسب سياسية. وقد رأينا في التعديلات الدستورية الأخيرة, كيف تم إقحام الدين في السياسة, وكيف استغلت المشاعر الدينية لتوجيه إرادة المواطنين, وكيف أن الشوارع, والميادين, قد امتلأت بلافتات تقول: التصويت بنعم واجب شرعي, وإن كان الإخوان قد تبرأوا منها.. أو استغلال الخطابة الدينية لتحفيز المواطنين علي التصويت, وبلغ الأمر مداه لدي أحد الدعاة, حتي أطلق تعبير غزوة الصناديق علي عملية التصويت, وكذلك دفع الناس للتصويت تطبيقا لآيات قرآنية كقوله تعالي لا تكتموا الشهادة.. وبالرغم من هذه التجاوزات, سقطت جريمة استغلال المشاعر الدينية من تعديلات قانون مباشرة الحقوق السياسية, وهنا تثور المخاوف من استغلال الدين في الانتخابات القادمة: برلمانية كانت أو رئاسية!
وتجنبا لتشويه الإرادة الشعبية في العملية الانتخابية بشقيها البرلماني والرئاسي,- والكلام هنا للدكتورة فوزية عبد الستار أستاذ القانون, ورئيس اللجنة التشريعية السابق في مجلس الشعب-, لابد أن ينص قانون مباشرة الحقوق السياسية قبل إقراراه, علي ضرورة عدم اللجوء لأية شعارات دينية في الدعاية الانتخابية, وكذلك عدم استغلال المشاعر الدينية, وقد تبين من التصويت علي الاستفتاء في التعديلات الدستورية الأخيرة كيف أن البعض قد أساء استخدام الدين, ونسبة ما ليس فيه إليه, وكيف تم استغلال المشاعر الدينية في حث المواطنين علي التصويت في اتجاه معين دون الآخر, وقد يكون ذلك مخالفا لإرادة الناخبين, وبالتالي لابد من حظر هذه الأساليب في الدعاية لخطورتها علي التعبير الصحيح عن الإرادة الشعبية, والتي من المفترض أن تكون نقية, خالصة, وحرة, ومنزهة عن أية شائبة, وفي حالة مخالفة ذلك يجب استبعاد المخالف من الترشيح للانتخابات حتي نصل الي نتيجة معبرة عن حقيقة ما يريده المواطنون.
تشويه الإرادة الشعبية
ومما يؤكد هذه المخاطر, أن الشعب المصري بصفة عامة شعب متدين, سواء علي الصعيد الإسلامي والقبطي, ولذلك فهو شديد الحساسية لكل ما يتصل بالدين, وهذا التدين لا يؤدي في نسبة كبيرة من المواطنين إلي معرفة واسعة بحقيقة القواعد الدينية, فإذا قيل أن التصويت بنعم لصالح مرشح معين واجب شرعي, فإن ذلك خطأ بحق الدين, لان الله عز وجل لا يلزم الإنسان بأن يختار طبقا معينا في المجال السياسي بصفة عامة, كما أن المولي عز وجل يقول في القرآن الكريم: لا إكراه في الدين, وما دام الإسلام يترك اختيار العقيدة- وهي أهم ما في حياة الإنسان- لإرادته الشخصية, فلا يمكن أن يتصور أن يلزم هذه الإرادة بأن تقول( نعم أو لا) في مجرد شأن سياسي, وهذا في الحقيقة يمثل تشويها للدين الإسلامي, هو أمر في غاية الخطورة, ويجب تجريمه بنصوص قاطعة, وواضحة في القانون الجديد.
الدين كغطاء سياسي
ويعود الدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع بالذاكرة إلي الإمام أبو حنيفة, الذي قال إن الدين تسليم بالإيمان, والرأي أي السياسة تسليم بالخصومة.. فمن جعل الدين رأيا جعله خصومة, ومن جعل الرأي دينا جعله شريعة.. أما حسن البنا فقد قال في منهاج جماعة الإخوان المسلمين أن هذا المنهاج كله من الإسلام, وكل نقص فيه هو نقص من الإسلام ذاته, وبالتالي إذا قلت إن هناك جملة خطأ في المنهاج إذن أنت تقول إن هناك خطأ في الإسلام, وقد علق المستشار طارق البشري علي ذلك في الطبعة الأولي من أحد كتبه بأن حسن البنا قد صادر بهذه العبارة الإسلام لصالح الجماعة ولصالحه, ثم عاد وأسقطها في الطبعة الثانية من الكتاب.
والتجربة العملية تثبت دائما أن جماعة الإخوان تحاول استخدام الإسلام كغطاء لتحركاتها السياسية, وكسبيل لتحقيق كسب سياسي, وهذه قضية بالغة الخطورة, لأنك عندما ترفع شعارات دينية, فإن الطرف المقابل لك يرفع شعارات دينية مماثلة, أو قد يصطدم بالشعار الديني الذي ترفعه, وقد طلبت من الإخوان أن نجلس معا لنصدر بيانا مشتركا وأن نتعاون وفق ما أسموه آليات ثورة25 يناير, وبيني وبين نفسي قد أدخلتهم في اختبار وحصلوا علي صفر من عشرة, لأن كل دعايتهم أو أغلبها ذات طابع ديني, ولذلك لابد من نص صريح وقاطع في تعديلات قانون مباشرة الحقوق السياسية يحظر إقحام الدين في السياسة.
خطاب مضاد للثورة!
ومن حيث المبدأ والكلام للدكتور شوقي السيد أستاذ القانون وعضو اللجنة التشريعية سابقا في مجلس الشوري- فقد نصت التعديلات الدستورية التي جرت في عام2007 علي حظر مباشرة العمل السياسي والحزبي علي أساس مرجعية دينية, أو التمييز بين المواطنين بسبب الجنس أو الدين أو اللون, كما أن, هذا النص موجود في التعديلات المقترحة لقانون مباشرة الحقوق السياسية.. إذن هناك حظر لاستخدام المرجعيات الدينية في العمل السياسي والحزبي, أما ما حدث من استغلال للمشاعر الدينية في التصويت علي التعديلات الدستورية الأخيرة فهو في تقديري- خطاب مضاد لمبادئ ثورة25 يناير التي قامت علي مبادئ الحرية, والديمقراطية, والعدالة الاجتماعية, والهدف من عدم استغلال المرجعيات الدينية هو الحرص علي وحدة الصف بين المواطنين, وعدم بث الفرقة أو الفتن أو إدخال الدين في السياسة, أو إفسادهما بالتأثير علي إرادة المواطنين بالمشاعر, أو بالشعارات الدينية.
والدين كما هو معلوم لنا جميعا هو علاقة بين الإنسان وربه, والسياسة لها أساليبها, ولغتها في بعض الأحيان, وبالتالي فإن إبعاد الدين عن السياسة هو احترام للدين, ومحافظة علي إرادة المواطنين, فالشعب المصري متدين بطبيعته, وبالتالي فإن مغازلة مشاعره بالشعارات الدينية خطر علي الدين وعلي السياسة.
وقد تابعنا ما حدث قبيل الاستفتاء, وأثنائه, من حديث عن واجب الإدلاء بالشهادة, والتحذير من الجزاء الأخروي أو الإلهي, أو ما أطلق عليه أحد المشايخ غزوة الصناديق, كلها ساهمت في تشكيل إرادة الناخبين, الأمر الذي يتناقض مع مبادئ الديمقراطية, والمواطنة, بل يخالف مبادئ الدستور وقواعده, وهو في النهاية يساهم في تغيير إرادة الناخبين, والتأثير عليها, بل هو نوع من التزوير, ولذلك فإن هذه الممارسات تكشف أننا بحاجة إلي نص قاطع, وواضح, وصريح, لحظر استغلال المشاعر الدينية في السياسية, وحمل المواطنين علي فعل كذا, أو النهي عن كذا, بزعم أن ذلك حرام, أو حلال, أو هو واجب شرعي.. ومن هنا يجب ألا يتم إقحام الدين في السياسة, وأن ينص القانون علي تجريم ذلك!
تعديلات مطلوبة
والأمر كذلك في رأي الدكتور حسام لطفي أستاذ القانون بكلية الحقوق جامعة بني سويف, فهو يري ضرورة النص علي حظر استخدام الرموز الدينية للربط بينها وبين المكاسب, والاتجاهات السياسية, وكذلك من الضروري النص علي حظر استغلال المشاعر الدينية في العملية الانتخابية, كما يجب حظر الربط بين التوجه الديني, والسياسي بصورة مباشرة أو غير مباشرة لأي من المرشحين, وعلي ذلك لابد من النص علي عقوبة للمخالفين, وليكن ذلك من اختصاص اللجنة العليا للانتخابات.
وكلنا نعرف أن هناك كتلتين رئيسيتين منظمتين في المشهد الانتخابي, وهما الحزب الوطني ويمثل جماعة غير متجانسة تجمعها وحدة المصالح, والتنظيمات الدينية وإن كانت علي غير وفاق, والأخيرة تضم الجماعات الإسلامية, والإخوان المسلمين, فالجماعات الإسلامية تري أنها صاحبة الحق في الوصول إلي السلطة وأنها تملك القدرة علي التفكير العقلاني للإسلام, ويرون أن الفكر الديني الإخواني يحتاج إلي مراجعة, والإخوان يرون أنهم تنظيم يسعي لكسب سياسي باستخدام الدين, وأن لهم وجودا علي الساحة منذ فترة طويلة, وأن انتماءاتهم الدينية تتجاوب مع اتجاهات كثير من الشعب المصري لتعلقهم بالدين بسبب يأسهم من المناخ السياسي, ولذلك لابد من نص واضح يحظر إقحام الدين في العملية السياسية لضمان سلامة إرادة المواطنين.
وبشكل عام, فإنني والكلام مازال للدكتور حسام لطفي- أتحفظ علي الانتخاب بالقائمة, لان الشعب المصري لايزال متعلقا بانتخابات الفرد, ولا تزال العصبيات والعلاقات الأسرية والشخصية هي التي تحكم المواطنين في هذا المرشح أو ذاك, وفي كل الأحوال يهمنا أن يصل إلي السلطة من يكون قادرا علي الوفاء باحتياجات الشعب, وتلبية مطالبه, دون أن يتمسح بغطاء ديني أو سياسي, ويجب أن يتضمن قانون مباشرة الحقوق السياسية المراد تعديله نصا حول ما يسمي بالتمييز الايجابي للطوائف المهشمة, فما الذي يمنع تخصيص21%- مثلا- من المقاعد لهذه الفئات بحيث يعتاد الناس علي اختيارهم, علي أن يتم ذلك علي مدي دورتين فقط, وبعدها تسير الأمور بصورة تلقائية, وحتي لا تقع هذه النسبة تحت شبهة عدم الدستورية, بحيث تكون هناك3 مقاعد لهم في الدوائر الكلية, وليس الفرعية, علي أنني اقترح إلغاء نسبة الـــ50% عمال وفلاحين, لأنها لم يعد لها معني, وهي مثيرة للغموض, وتستغل بشكل سييء, كما أنني أميل إلي عدم وضع صورة رئيس الدولة في المرافق الحكومية, وعلي المشروعات الحيوية أثناء وجوده في الخدمة, وأن نضع مكان الصورة علم مصر, ويمكن أن يتحقق ذلك بعد خروجه من المنصب تقديرا لجهوده, كما أميل إلي عدم وضع صور نواب الأمة علي المروعات, والميادين, والشوارع.
لا ثواب ولا عقاب!
وإذا كان البعض قد أقحم الدين في السياسة بالفعل, فإن الدكتور رأفت عثمان أستاذ الفقه المقارن وعميد كلية الشريعة والقانون السابق, يعارض الرأي القائل بأن التصويت واجب شرعي, أو من قبيل أداء الشهادة, وإنما هو مستحب أومندوب دنيوي بمعني أنه لا ثواب فيه, ولا عقاب عليه, والتصويت يجب أن يترك لاختيار كل فرد حسب ما يعتقده الناخب في شأن المرشح, أما المجازفة بالقول بأن أمرا من الأمور واجب شرعي, أو حرام شرعا فهو يتنافي مع ما يوجبه الشرع من التريث في إبداء الأحكام, لان معني قولنا بأن فعلا من الأفعال حرام, أو أن هناك ثوابا علي تركه, وعقابا علي فعله, وإذا قال أحد أن هذا الأمر واجب من الواجبات الشرعية فمعناه أنه يثاب علي فعله, ويعاقب علي تركه, وعقوبة ذلك في الشرع نار جهنم والعياذ بالله, ويتساءل: هل من المتصور أن يوضع الإنسان في نار جهنم لأنه لم يذهب إلي صندوق الاقتراع, وهنا أقول لمن يسارعون في إطلاق الأحكام الشرعية أن يتريثوا, فالفتوي ليست بهذه الصورة السهلة.