عبد الرحمن الراشد
أختلف مع ما قاله الشيخ خالد الخليفة، وزير الخارجية البحريني، في حديثه للزميلة laquo;الحياةraquo; حول المشكلة في بلاده، وأنها مسألة طائفية بين السنة والشيعة وليست مشكلة بين الحكم والمعارضة.
واختلافي ليس في الاستنتاج، بل في نبرته اليائسة. ومع أنني أصدق بصحة قراءته للحظة الراهنة، وهو تعبير صريح غير مألوف من الدبلوماسي الأول في البحرين، فإنني لا أتفق مع التخلي عن معالجة المسألة، لأنها خلاف تاريخي بين طائفتين وليست مسؤولية الحكومة. فأنا أعتقد أن الأزمة البحرينية اتسعت طائفيا فقط في الفصل الأخير من الخلاف بين الحكومة والموالاة من جهة، والمعارضة من جهة أخرى. فبعد أن ازدادت حدة المعارضة سياسيا ارتفع حجم الاهتمام الخارجي طائفيا. ولهذا السبب، أي الطائفية المستوردة، لا تستطيع الحكومة أن تنأى بنفسها، بحجة أنها مشكلة طائفية، أو كما قال الشيخ خالد، إنه احتقان قائم منذ ألف وأربعمائة عام، ولم يخلق أصلا في البحرين.
إن تسخير الدين أو الطائفية، كما تفعل القاعدة السنية، أو الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني في البحرين، ليس جديدا، بل دائما كان جزءا من أدوات الصراع السياسي في المنطقة، وسيظل وسيلة سهلة لممارسة الضغوط وشن الحروب، وليس هذا باكتشاف جديد، كما يعرف كل المهتمين بالشأن السياسي في تاريخ المنطقة للعقود الثلاثة الماضية. السؤال ما الذي تستطيع أن تفعله الدولة لمحاربة الطائفية؟ فهي لا تستطيع أن تترك سكانها رهينة التخندق السني ndash; الشيعي وهي تتفرج، معلنة أنه صراع تاريخي عمره أربعة عشر قرنا. البحرين، ككل الدول التي تواجه الانقسام الديني أو المذهبي، مطالبة بأن تكون طرفا في محاربته، لأنها لن تفلح في تحقيق السلم الأهلي بوجود بؤر توتر، سواء من صناعة محلية أو مستوردة من الخارج.
الحكومة البحرينية قادرة على استيعاب غالبية مواطنيها الشيعة، إن لم يكن ممكنا إرضاء الجميع، ويتأتى ذلك بالحوار والتواصل والحلول السلمية من سياسية ومعيشية. بالتأكيد هناك فرقة مخطوفة من قبل حزب الله وإيران يسهل جدا الإشارة إلى رموزها التي لا تستحي من التواصل مع الخارج في شأن بلادها (البحرين)، لكنها ليست كل الشيعة ولا كل البحرين. وأنا أعتقد أن حزب الله وإيران نجحا في سنين التوتر الإقليمي الماضية والمستمرة في إيهام الكثير بأن ولاء الشيعة للخارج الشيعي لا للوطن. والحقيقة أن الكثير من القوى الشيعية المثقفة والفاعلة تعرضت لاضطهاد من قبل الجماعات الشيعية المتطرفة، كما هي الحال مع الجماعات السنية المثقفة التي تضطهد من قبل الجماعات المتطرفة في محيطها. تم إبعاد قيادات الشيعة المعتدلة تحت عناوين مختلفة، من بينها المقاومة، كما في لبنان، أو الدفاع عن الطائفة المحرومة. وارتبطت الرعاية المعيشية والإنسانية والموقف السياسي العنيف في ذهن الإنسان الشيعي العادي بجماعات إيران وبمواقفها المعادية للقوى المحلية الأخرى شيعية كانت أو غيرها.
وما كان للاستخدام الطائفي من قبل إيران أو وكلائها على الأرض أن يثمر لو أن قنوات الحوار فعالة، ودعم القوى الشيعية الوطنية مستمر، مع أنني لا أستطيع أن أتجاهل أن البحرين من أكثر الدول العربية، لا الخليجية فقط، التي حثت القوى الشيعية المعارضة على العمل السياسي داخل السلطة، وفي المعارضة الشرعية أيضا. ولأنه موضوع يطول الحديث فيه، فيمكن أن أختصره بالقول: لا يمكن ترك النزاع الطائفي المولود من جراء اختلاف وتحريض سياسي لذاته، فيعالج نفسه أو يواجه بعضه، هذا تفكير خطير خاصة من جانب الدولة المعنية بالدرجة الأولى بلم الجميع تحت خيمتها، وتبني برامج حوار وطني هدفه ترشيد الفكر السياسي وإشراك الجميع. هذا ثمن الحرية في بداية تطبيقاتها، ظهور الأمراض الطائفية والمناطقية والقبلية والفكرية. والبحرين بلد عرف التعايش السلمي عهودا طويلة ولا يعقل أن يترك ضحية للفكر الطائفي.
التعليقات