عبدالله اسكندر
ثمة غالبية عددية في البرلمان اللبناني اختارت نجيب ميقاتي لتشكيل حكومة بعد استقالة الوزارة السابقة. وقد يكون توزيع الحصص والاتفاق على الحقائب عاملين في تأخير الحكومة العتيدة أياماً، وحتى أسابيع. وهذا أمر طبيعي ومفهوم في ظل وضع معقد ومتداخل مثل الوضع اللبناني.
لكن وصول عملية التأليف إلى نوع من الاستحالة يؤشر إلى أن العجز عن تشكيل حكومة تملك غالبية برلمانية عددية قد يكون مفتعلاً اكثر من كونه فعلياً.
تزخر وسائل الإعلام اللبنانية بتفاصيل الشروط والشروط المضادة داخل الأكثرية الواحدة. وتتحدث طويلاً عن مفاوضات علنية وسرية داخل الفريق الواحد. وتكشف أفكاراً جديدة عن كيفية الخروج من المأزق. لكن كل هذه الجهود لم تسفر عن أي خطوة فعلية في اتجاه تشكيل الحكومة. وقد يركز بعضهم على شروط زعيم laquo;التيار الوطني الحرraquo; الجنرال ميشال عون، وسعيه إلى الاستئثار بالكلمة الأخيرة في التشكيل. لكن هذا التبرير يسقط في أي حساب عددي أو سياسي، إذا صدقت زعامات الكتل الأخرى في الأكثرية العددية التي سمّت ميقاتي في تلهفها على الإسراع في التشكيل. وإذا صدق laquo;حزب اللهraquo;، الحليف الاستراتيجي لعون، في الإعلان المستمر عن رغبته في تسهيل التشكيل.
لكن القضية ليست تقنية وعددية، إنها مسألة سياسية تقع في إطار التطورات التي يشهدها لبنان منذ العام 2005، بعد اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري والخروج العسكري السوري من لبنان. لقد كانت تتآكل اكثر فأكثر، في نهاية كل مرحلة من هذه التطورات (من حرب تموز إلى محاصرة السراي الحكومية في ظل رئاسة فؤاد السنيورة للحكومة إلى عملية 8 أيار العسكرية إلى اتفاق الدوحة إلى مسلسل المحكمة الدولية) المؤسسات الأساسية للدولة لحساب تجمعات أهلية تزداد سطوة مع الوقت.
وعندما استقالت حكومة سعد الحريري، بفعل استقالة اكثر من ثلث وزرائها المنتمين إلى الأكثرية الجديدة، وما استجلبته هذه الاستقالة من ردود فعل، بدا واضحاً أن ثمة جهداً من اجل إخراج القرار الحكومي من المؤسسات، عبر تكريس ميزان قوى سياسي بالقوة المسلحة. وهذا ما يواجهه ميقاتي حالياً، وليس الشروط العُظامية للجنرال عون.
لقد أراد ميقاتي أن يقوم بدوره، بالتعاون مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان، في تشكيل حكومته كرئيس مكلف، فجُبه بهذه الشروط العونية التي في العمق تعبر عن رفض الحليف الاستراتيجي، أي laquo;حزب اللهraquo;، لهذا الدور، أياً كانت الشخصية المكلفة بالتشكيل.
وفي ظل أزمة التشكيل وبقاء لبنان من دون سلطة تنفيذية قادرة على القرار، يزداد التآكل الداخلي والاهتراء في كل مؤسسات الدولة وإداراتها. ومع تعطيل الدور الدستوري لرئيس الجمهورية والحكومة، واهتراء المؤسسات الدستورية من الداخل، وتهميش القضاء والإدارات، يصبح النظام السياسي القائم، خصوصاً اتفاق الطائف والتسوية التي حملته، هو الهدف من هذا التعطيل.
لقد اسقط النظام في تونس ومصر، عبر حركة احتجاجية شعبية واسعة. وتجري محاولة إسقاطه عبر العنف في ليبيا واليمن. وتتخذ المحاولة في لبنان طابعاً سياسياً مستمراً ومتمادياً. فالمسألة تتجاوز التعقيد في تشكيل حكومة إلى تثبيت التغيير في النظام السياسي الذي أرساه اتفاق الطائف.
وتأتي الظروف الإقليمية، خصوصاً التوتر بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران التي فشلت في محاولة إسقاط النظام في البحرين، لتضع تغيير النظام في لبنان في سلم أولويات المحور الإيراني. وفي هذا المعنى تجري تهيئة الظروف الداخلية في هذا البلد عندما يدخل الرد الإيراني حيز التنفيذ.
التعليقات