أمجد عرار
كان علينا أن نعرف منذ البداية أن ldquo;إسرائيلrdquo; عندما أشعلت الحرب على القاضي الجنوب إفريقي ريتشارد غولدستون ولجنته وتقريره الخاص بالحرب على قطاع غزة، كانت تعني ما قالته وما فعلته بالرجل الذي قبلنا برئاسته لجنة تقصي الحقائق، رغم تباهيه بصهيونيته وميوله ldquo;الإسرائيليةrdquo; . اعتقدنا، أو بعضنا على الأقل، أن القاضي الدولي سينحاز إلى مهنته الحساسة والضميرية على أيديولوجيته الصهيونية، وعندما جاء تقرير لجنته محتوياً اتهامات ل ldquo;إسرائيلrdquo; بارتكاب جرائم حرب في غزة، ظننا أن اعتقادنا في محلّه رغم مساواة التقرير بين الجلاد والضحية، ويبدو أننا ldquo;رضينا بالهم والهم ما رضي بناrdquo; .
خرج غولدستون على الملأ بمقال في صحيفة ldquo;واشنطن بوستrdquo; (لاحظوا مكان النشر)، يتراجع فيه عن جزء كبير ومهم من محتوى التقرير، وإذ جاءت تصريحاته في ذروة تهديدات متلاحقة من جانب قادة ldquo;إسرائيلrdquo; بشن عدوان واسع على غزة، فإن من حقنا أن نضع ألف علامة استفهام ومثلها علامات تعجّب على توقيت هذه التصريحات التي من المرجّح أن تشكّل، إعلامياً على الأقل، غطاء للعدوان مجدداّ على غزة، وربما أشد شراسة وإجراميّة من عدوان ،2008 لكن لماذا إعلامياً؟ لأن التقرير ليس ملكية سيارة لغولدستون كي يتحكّم بها كما يشاء، بل صادر عن لجنة من أربعة أشخاص هو أحدهم وإن كان رئيساً لها، وبالتالي فإنه لا يملك، وحده، أي حق بإعادة النظر في محتوى التقرير أو التشكيك فيه بعدما أمضت اللجنة خمسة شهور في التقصي الميداني . هو قانوني ويعرف هذا الكلام أكثر من غيره، وrdquo;إسرائيلrdquo; أيضاً تعرف ذلك، لكن ما يهمّها هو الغطاء الإعلامي لجرائمها، لأن أي تقرير لن تتم ترجمته إلا من خلال مجلس الأمن الدولي، وهذا ليس في جيب ldquo;إسرائيلrdquo; فحسب، بل في جيب أصغر صبي في مستوطناتها .
على العالم أن يسأل: ما دام غولدستون وأعضاء لجنته لم يعودوا للمنطقة منذ ذلك الحين، فمن أين حصل على معطيات جديدة تفضي إلى التغيير؟
ليس في الأمر لغز أو أحجية، فالضغوط ldquo;الإسرائيليةrdquo; والأمريكية والدولية لم تتوقّف منذ صدور التقرير، ولم تترك ldquo;إسرائيلrdquo; ومخابراتها ووسائل إعلامها جحراً لغولدستون إلا ونبشته، ولم تبق حجراً إلا وقلبته، ولا دفتراً قديماً إلا وفتحته، بل نحن متأكدون أن سلسلة غولدستون حتى الجد العاشر أصبح لها ملفات لدى ldquo;إسرائيلrdquo; لوضع القاضي الدولي في الزاوية الحرجة، وتأديب كل من يتجرأ على فتح عينيه ليرى سلوكها الأسود وفوسفورها الأبيض .
لكن والحق يقال، فإن من الطبيعي أن تفعل ldquo;إسرائيلrdquo; ذلك، من العادي جداً أن يسهر المجرم على إخفاء آثار جريمته وأن يفعل أي شيء، بما في ذلك شراء الضمائر وتجييش الشهود لمصلحتها . لا مشكلة في من يشتري، بل في من يبيع .
لماذا يا غولدستون؟ بكم بعت دماء أطفال غزة؟ وهل تحتمل في ما تبقى من خريف عمرك ملاحقة دمائهم لشيخوختك؟ نعلم أنه عندما كانت ldquo;إسرائيلrdquo; تلاحقك بالضغوط كان قادة الفلسطينيين يغطسون في بحر انقسامهم، وها أنت يا ldquo;غولد ستونrdquo; وباعتبار أن اسمك معناه ldquo;الحجر الذهبيrdquo;، تلقي حجرك في مياهنا، فهل نبقيها راكدة؟
التعليقات