صلاح منتصر

كان على رأس الذين وجهت اليهم مسؤولية نكسة 1967 جهاز المخابرات العامة برئاسة صلاح نصر، فقد تواردت الحكايات عن الانحرافات التي ارتكبها الجهاز الذي قيل انه اساء الاسلوب وانصرف الى اشباع نزوات بعض رجاله بتجنيد من يستطيع من الفنانات وتصويرهن في اوضاع تمكن laquo;من السيطرة عليهنraquo; على حد التعبير الذي استخدمه الذين قاموا بهذه العمليات في التحقيقات التي جرت معهم. وكان احد النجوم اللامعة في هذا المجال في ذلك الوقت صفوت الشريف الذي اشتهر بالاسم الحركي laquo;موافيraquo;. ولم يعرف المواطنون بهذه الحكايات الا بعد نكسة يونيو 67 وما تبعها من صدام بين جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر، وهو الصراع الذي اتهم صلاح نصر بوقوفه فيه الى جانب المشير عامر!
وقد ثارت مصر في ذلك الوقت على جهاز المخابرات ثورة كانت في الواقع بداية الاصلاح الذي شهده هذا الجهاز الذي عرفنا عن قصص البطولات العظيمة التي كان وراءها. وتوافد على رئاسة الجهاز قيادات مارست دورها باخلاص كان آخرهم اللواء عمر سليمان الذي ظل رئيسا للجهاز 18 سنة لم يسمع أحد خلالها ما يشوه سيرة الجهاز أو ينسب اليه دورا غير مقبول، وكانت آخر وظائفه تولي منصب نائب رئيس الجمهورية، الا أنه لم يدم في منصبه سوى عشرة أيام!
اليوم يجري الحديث عن جهاز أمن الدولة الذي بدأ في عام 1913، ومصر تحت الاحتلال الانكليزى باسم laquo;القسم المخصوصraquo; بهدف تتبع عمليات وتنظيمات المقاومة المصرية ضد الاحتلال، وبعد ذلك تغير الاسم الى البوليس السياسي ثم المباحث العامة، وأخيرا جهاز أمن الدولة، وهو اسم يوحي بان مهمته تأمين أمن مصر. لكن بسبب الخلط الذي حدث عندما أصبح أمن الوطن هو أمن النظام الحاكم برئاسة رئيس لا يتغير، توغل الجهاز في مهامه مستخدما درع تأمين الرئيس الى حد وضع ملف عن كل ساكن على طول الطريق الذي كان يقطعه الرئيس السابق من بيته في العروبة الى البرلمان. تقرير عن كل شقة وعن سكانها من الرجال والنساء والأطفال ضمانا لحياة الرئيس، في الوقت الذي كان محظورا فيه على أي ساكن فتح نافذة أو الخروج الى شرفة لمشاهدة موكب الرئيس حتى لو كان يريد تحيته. وقد كانت نتيجة ذلك أن أصبح الرئيس يقوم بكل زياراته دون أن يشاهد مواطنا واحدا من شعبه باستثناء الجنود المغلوبين على أمرهم الذين كانوا يصطفون من الساعات الأولى للصباح لتأمين موكب الرئيس تحت اسم التشريفة!
لهذا، كره الشعب جهاز أمن الدولة الذي اعتبروه خرج عن وظيفته، وأنه بدلا من تأمين الدولة من الارهاب والجاسوسية توغل الجهاز في تعقب سيرة الملايين عن طريق مختلف الوسائل.
والثابت أن الجهاز انحرف عن مهامه في ظروف كانت تشجع على ذلك، ومع أن جهاز المخابرات العامة تم تطويره من دون الغاء اسمه، فان كراهية الشعب لجهاز أمن الدولة وصلت الى حد قيام وزير الداخلية اللواء مصطفى العيسوي بحل جميع أجهزته والغاء اسمه وانشاء جهاز آخر تحت اسم laquo;قطاع الأمن الوطنيraquo; لعل وعسى!