باريس

عقيدة ساركوزي الجديدة القائمة على التدخل من أجل حماية المدنيين في البلدان المضطربة، والاحتجاجات الشعبية التي تعرفها عدد من المدن السورية، وأزمة الهجرة غير القانونية التي تواجهها أوروبا... موضوعات نعرض لها بإيجاز ضمن قراءة سريعة في الصحافة الفرنسية.

عقيدة ساركوزي

هل يمكن احتساب رحيل لورانت جباجبو في ميزان حسنات نيكولا ساركوزي الذي يبدو أنه قد اتخذ من مطاردة الحكام المستبدين هدفا له؟ بهذا السؤال استهل quot;فرانسوا سيرجونquot;، افتتاحية عدد الأربعاء الماضي من يومية quot;ليبراسيونquot;، التي اعتبر فيها أن لا أحد سيأسف لرحيل رئيس ساحل العاج المخلوع quot;لوران جباجبوquot;، الذي جرب كل شيء ليظل سيداً لساحل العاج بعد هزيمته في الانتخابات أمام الحسن وتارا؛ حيث رفض مطالب نظرائه الأفارقة والأمم المتحدة والمجتمع الدولي، وبخاصة فرنسا، ولعب على معاداة الأجانب ووظف التنوع الإثني لبلاده.

quot;سيرجونquot; قال إن ساركوزي، وبعد أن برر تغاضيه عن الثورة في تونس بدعوى رفض التدخل في شؤون بلد أجنبي، بات اليوم من أنصار التدخل القوي في ليبيا وساحل العاج. وهذه السياسة المتبعة باسم حماية السكان المدنيين تستفيد من دعم شبه عام لكل الأحزاب الفرنسية والطبقة المثقفة، يقول كاتب الافتتاحية، وإن كان بعض الكتاب الأفارقة قد انتقدوا quot;انخراطquot; باريس، الذي يمكن أن quot;يضع الأفارقة في مواجهة الفرنسيينquot;. وهو خطر موجود بالفعل، حسب كاتب الافتتاحية الذي يعتبر أن الدبلوماسية التدخلية الجديدة لساركوزي ووزير خارجيته آلان جوبيه تستحق نقاشاً وطنياً واسعاً، ولاسيما أن العمليات العسكرية الفرنسية في ليبيا وساحل العاج تخلق سابقة سيجد ساركوزي نفسه أمامها في كل مرة سيحاول فيها شعب ما التخلص من حاكمه المستبد. وفي الختام، شدد quot;سيرجونquot; على ضرورة وأهمية أن يشرح الرئيس الفرنسي بوضوح أساس عقيدته وحدودها حتى يقطع الطريق على من يتهمونه بالسعي لتلميع صورته الملطخة في بلدان خارجية.

احتجاجات سوريا

صحيفة quot;لوموندquot; أفردت افتتاحية عددها ليوم الثلاثاء الماضي للتعليق على الاحتجاجات التي تشهدها عدد من المدن السورية منذ أسابيع، معتبرة أنه على غرار تونس ومصر واليمن، فإن دوامة المظاهرات، وأعمال القمع العنيفة، مواكب التشييع التي تولد مظاهرات جديدة، قد بدأت. وتقول إن النظام كان يأمل أن تشكل نزعته القومية، وموقفه المتصلب من النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، ومقاومته لكل أشكال الضغوط الخارجية، نوعاً من الحماية والوقاية في وجه quot;الربيع العربيquot;؛ إلا أن ذلك لم يحدث.

الصحيفة أقرت بأن الرئيس السوري، ورغم أنه يوجد في السلطة منذ عشر سنوات ونيف، إلا أنه يعلم دور ووقع وسائل الإعلام ولا يمانع في نشر صوره وصور عائلته على صفحات المجلات. ولكنها ترى في الوقت نفسه أن السوريين منذ وقت طويل ميزوا بين مظهر النظام وواقع أقل لمعاناً: استفادة بعض المحسوبين على النظام أمنياً واقتصادياً وامتلاك هذا الأخير لأداة سيطرة لا تتوانى في سحق أبسط معارضة من دون رحمة، حتى وإن كانت مقتصرة على الإطار السلمي والهادئ للصالونات السياسية، كما تقول الصحيفة. ومن هذه الناحية، تتابع الصحيفة، فإن نظام الحكم السوري مشابه كثيراً لأنظمة الحكم التي أطيح بها في تونس والقاهرة. ومثلما حدث في أماكن أخرى، انتهى الأمر بالرئيس السوري إلى إلقاء خطاب بعد صمت طويل. ولكن من دون أن يتمكن من الإقناع، كما تقول. فقد جاء بالقليل جداً، ومتأخراً جداً، معتبرة أن الخطاب الذي ألقاه في الثلاثين من مارس الماضي، واستعمل فيه مرة أخرى quot;لازمة قديمةquot; (أن الاحتجاجات هي بتحريض من قوى خارجية)، لن يغير من واقع الحال شيئاً.

شبح الهجرة

ضمن عموده بعدد يوم الأربعاء من صحيفة quot;لوفيجاروquot;، اعتبر بيير روسلان أن أوروبا، بعد أن كرست طاقتها لإنقاذ منطقة quot;اليوروquot;، وقبل أن يصبح الانتصار مضموناً على هذه الجبهة، سيتعين عليها أن تنقذ فضاء شينجن من أزمة جديدة تهدد بلدان الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين، ويتعلق الأمر هذه المرة بأزمة هجرة ضخمة تثيرها الثورات في شمال أفريقيا. فبعد فشلها في عقد اتفاق مع السلطات التونسية الجديدة من أجل إعادة استقبال المهاجرين، تقول الصحيفة إن إيطاليا ستضطر إلى منحهم تراخيص مؤقتة. وبالنظر إلى غياب عمليات المراقبة والتفتيش في فضاء شينجن، فإن هذه الوثائق ستفتح لهم باب الأغلبية الساحقة من البلدان الأوروبية. غير أنه بالنظر إلى الانتقادات التي أثيرت في فرنسا عندما أرادت السلطات quot;تطبيق القانونquot; على الغجر، تضيف الصحيفة، فإن قدوماً بهذا الحجم سيكون أيضاً متفجراً سياسياً. وفي هذا الإطار، أعادت باريس إقامة عمليات التفتيش والمراقبة على حدود مدينة فينتيميلي الإيطالية الحدودية مع فرنسا، مما جر عليها احتجاجات جديدة من المفوضية الأوروبية في بروكسل.

quot;روسلانquot; يقول إنه ينبغي تفهم موقف رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني، ذلك أن الوضع لا يطاق بالنسبة له أيضاً، على اعتبار أن حليفه quot;رابطة الشمالquot;، يعارض بشدة كل أشكال الهجرة غير القانونية؛ ولن يقبل إقامة مخيمات على أبواب فرنسا. كما ينبغي تفهم موقف التونسيين: إذ لماذا عليهم أن يتقبلوا مهاجرين غير قانونيين في وقت تحطم فيه البطالة كل الأرقام القياسية، هي التي كانت مرتفعة أصلاً قبل الثورة، وفي وقت يتعين فيه إعادة بناء شرعية ديمقراطية؟ الكاتب، وبعد أن ذكَّر بأن برلسكوني كان قد حصل من القذافي في 2008 على تعهد بأن يوقف رحلات المهاجرين غير القانونيين مقابل 5 مليارات دولار، شدد على أن عملاً منسقاً بين البلدان السبعة والعشرين فقط يمكن أن يمثل جواباً على التحديات quot;التي تأتينا من الصحوة العربيةquot;.

quot;سر لوران جباجبوquot;

quot;فيليب ثيرو دانجانquot;، حاول ضمن افتتاحية أسبوعية quot;لو كوريي أنترناسيونالquot; لهذا الأسبوع تفسير أسباب quot;المقاومة العنيدةquot; لبعض الرؤساء الذين يرفضون التنحي عن السلطة، سواء في ليبيا أو في ساحل العاج، فالرئيس السابق لساحل العاج لوران جباجبو، الذي ظل متمسكاً بمنصبه بعد انتخابات التاسع والعشرين من نوفمبر 2010، رأى مع مرور الأسابيع تراجع الدعم الوطني والدولي له، حيث انشق عنه رئيس وزرائه السابق، واعترف الاتحاد الأفريقي بفوز منافسه الحسن وتارا في الانتخابات الرئاسية؛ بل حتى إن جنوب أفريقيا، التي كانت متعاطفة في البداية مع قضيته، أبلغته في الأخير أن الوقت قد حان كي يرحل. وبفضل أموال البنوك التي استحوذ عليها، استطاع جباجبو تأجيل الموعد المحتم، ولكن من دون أن يفلح في تغيير مجرى الأحداث.

وهنا، يطرح quot;ثيرو دانجانquot; السؤال: لماذا ظل جباجيو مقاوماً حتى آخر لحظة، رافضاً كل خروج متفاوض حوله؟ كاتب الافتتاحية يرى أن quot;جباجبوquot;، وعلى غرار خصمه وتارا وآخرين، سيتحمل مسؤولية المجازر ذات الطابع الإثني التي قد تكون هذه الحرب لأهلية الطويلة قد أطلقها. وفي محاوله للجواب على السؤال الذي طرحه، يشير كاتب الافتتاحية إلى الدور المهم الذي لعبته السيدة الأولى القوية quot;سيمون جباجبوquot;، ثم إلى شعور قوي لدى جباجيو بأنه قد اختير فعلاً من قبل العاجيين، وأنه المختار. ولعل لانتمائه للكنيسة الإنجيلية دوراً في هذا الأمر، يقول الكاتب.

إعداد: محمد وقيف