محمد عيادي

يظهر أن الغرب مرتبك ومتناقض في التعامل مع الملف الليبي ربما لتضارب مصالحه، خاصة فيما يتعلق بدعم الثوار على الأرض، وبدأ عدد من المتابعين يميلون للاعتقاد من خلال وتيرة الضربات الجوية للتحالف الدولي الموجهة لقوات القذافي بوجود رغبة غربية في الضغط على الطرفين (القذافي/الثوار) وابتزازهم وعدم السماح لأي طرف بالهيمنة على الوضع في اتجاه اضطرارهم لتقديم تنازلات معينة، وفي هذا السياق يندرج عدم تحمس واشنطن لتسليح الثوار بمبرر أنها لا تعرف بالضبط هوياتهم وتوجهاتهم، وتخوفها من خطر تسليح إسلاميين متشددين، قد يكونون ضمن طيف الثوار، وروجت صحيفة laquo;نيويورك تايمزraquo; سيناريو لمرحلة انتقالية لمدة سنتين يقودها أحد أبناء القذافي، وذكرت أن اثنين (الساعدي وسيف الإسلام) من أبناء معمر القذافي عرضا الانتقال إلى ديمقراطية دستورية ورحيل والدهما عن السلطة على أساس تولي سيف الإسلام إدارة المرحلة الانتقالية، مشيرة إلى laquo;أنهما اصطدما بالكثير من الجدران مع الحرس القديم وفي حال حصولهما على الضوء الأخضر، فسوف ينهضان بالبلاد بسرعةraquo;.
المجلس الوطني الانتقالي ممثل الثوار الليبيين لم يتردد في رفض هذا السيناريو، وطالب برحيل عائلة القذافي وأولاده، وبناء نظام سياسي جديد في ليبيا، خاصة أن من يرشحونه لقيادة المرحلة نسوا خروجه على الليبيين بعد انتفاضتهم متوعدا ومهددا بطردهم إلى الخارج والتنكيل بهم.
وهذا الواقع سيدفع واشنطن لأن تحسبها جيداً وتخرج من حالة التردد، لأنها قررت في الأسبوع الأخير من فبراير فرض عقوبات اقتصادية على ليبيا وحظر على الأسلحة، لاعتقادها أن سقوط القذافي سيكون سريعا وأيامه في الحكم باتت معدودة، خاصة بعد الحظر الجوي والمهمة العسكرية ضد ليبيا، لكن استمرار نظام القذافي جعل واشنطن تؤخر رجلا للوراء، ولم تمضِ في دعم الثوار على الأرض كما سلفت الإشارة.
ويبدو أن التوجه الأوروبي المهيمن (فرنسا وإيطاليا وبريطانيا) لدعم الثوار الليبيين، والرافض لوجود القذافي أو أبنائه في سيناريو مستقبلي للسلطة الليبية المقبلة، سيضع واشنطن في موقف محرج اللهم إلا إذا كانت ستسلم لهم بقيادة الملف وهو مستبعد، خاصة بعد اعتراف إيطاليا بالمجلس الانتقالي كممثل شرعي لليبيا وإعلانها دعمه وتعهدها بتزويد الثوار بالسلاح للقتال وحماية المدنيين.
وقال وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني في مؤتمر صحافي مع علي العيساوي عضو المجلس الوطني الانتقالي الليبي المعارض المكلف بالشؤون الخارجية: laquo;نظراً لأنه لا يمكننا (قوات التحالف) القتال على الأرض فإنه لا يمكن استبعاد مساعدة الأشخاص للدفاع عن أنفسهم من خلال تزويدهم بالسلاح وذلك بموجب قرار الأمم المتحدةraquo;، مؤكداً على أهمية وضرورة استمرار غارات التحالف على قوات القذافي وآلياته العسكرية.
ومن شأن تمسك المعارضة الليبية بموقفها الرافض من السيناريو الذي تحدثت عنه صحيفة laquo;نيويورك تايمزraquo; أن يُفشل محاولات القذافي اللعب على الخلاف بين دول التحالف، ويسد كل الأبواب أمام نظام القذافي إلا باب المغادرة باتفاق سياسي أو ما شابهه قد تلعب فيه تركيا واليونان دورا معينا، وكذلك بريطانيا خاصة في ظل وجود اعتقاد بأن تصوير هرب وزير الخارجية الليبي موسى كوسا إلى لندن على أنه ضربة قاصمة لنظام القذافي، ومؤشراً على انهياره من الداخل، ما هو إلا مسرحية، لأن الرجل ذهب أصلا في مهمة تفاوضية على تأمين مغادرة عائلة القذافي ليبيا بطريقة تحول دون محاكمته؛ لأن كوسا نفسه متهم بارتكاب مجازر قتل جماعي وجرائم ضد الإنسانية، وبغض النظر عن صحة هذا الاعتقاد أو عدمها، فإن ما هو مؤكد أن الوضع في ليبيا سيظل يراوح مكانه طالما هناك خلاف بين دول التحالف الدولي حول تسليح الثوار لترجيح كفتهم على كتائب القذافي بمبررات عديدة أبرزها التخوف من المتشددين وتكرار التجربة العراقية والدخول في حرب أهلية في بلد ما تزال للقبلية فيه كلمة، وعدم التجانس الفكري والسياسي بين مكونات المعارضة الليبية من جهة، وطغيان الطابع الإسلامي على الثوار الميدانيين.
ولا يقتصر الخلاف في الموضوع المذكور بين دول التحالف بل يوجد حتى داخل الإدارة الأميركية، حيث وجد أوباما نفسه بين اتجاهين، يرفض الأول بزعامة وزير الدفاع غيتس التورط في ليبيا لثلاثة أسباب رئيسية، أولها عدم وجود ضمانات للنجاح في مهمة إسقاط القذافي، وثانيها ثقل آثار الورطة الأفغانية والعراقية التي لم يخرجوا منها بعد، وثالثها شبهة وجود فكر طالباني ضمن الثوار الليبيين، ما يجعل تسليحهم خطرا على المصالح الأميركية بعد نجاحهم في الانتصار على القذافي، وبالتالي تكرار السيناريو الأفغاني.
أما الاتجاه الثاني الذي تتزعمه وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، فيميل لصالح لعب دور كبير في ليبيا وعدم ترك المجال لفرنسا، وتوجيه رسالة للعالم العربي والإسلامي أن الولايات المتحدة لا تؤيد الديكتاتورية.
وحيث إن المصلحة هي ما يحدد الموقف الأميركي في نهاية المطاف، لا يستبعد أن تقرر الإدارة الأميركية دعم المجلس الانتقالي للمعارضة الليبية في معركته إلى نهاية المطاف بشروطها وتخرج من حالة التردد كما حصل تماما في اليمن، حيث مالت لعدم التضحية بالرئيس علي صالح في البداية ضد معارضة كبيرة وقوية، ودعت للحوار وبحث إمكانية مرحلة انتقالية لمعالجة الأزمة السياسية في البلاد، لكن تطور الوضع باليمن وسقوط قتلى في صفوف المتظاهرين في عدد من المدن اليمنية وتزايد إصرار المعارضة على رحيل علي صالح، والدخول معه في مفاوضات على شرط الرحيل، جعل واشنطن تحسم أمرها حتى لا laquo;تخرج من المولد بلا حمصraquo; حيث أعلن عدد من المسؤولين الأميركيين أن تمسك صالح بالسلطة laquo;بات واهيا وأنه ينبغي عليه أن يرحلraquo; ولا يستبعد أن يكون لها دور في رحيله حتى تضمن دورا معينا أو على الأقل تكون في الصورة بخصوص المرحلة المقبلة بناء على قاعدتها المشهورة لا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة بل مصالح دائمة.