يوسف الكويليت

هل هو استشعار أمريكي بالتورط في متاهة الأزمة الليبية عندما تسحب قواتها من ميدان المعارك وتبقي على دور المساندة الرمزية كعضو رئيسي في حلف الأطلسي؟

المؤكد أن رياح الصحراء هناك، وتعقد المسألة العسكرية، بين مقاومة للحكم تفتقر للقيادة والتسليح، والخوف من بروز تيارات دينية تجعل للقاعدة قاعدة أساسية بين مختلف التيارات، وكذلك عدم وضوح الرؤية عند الثوار، ثم، وهو الأساس، أن تجربتيْ التدخل في أفغانستان والعراق تحت غطاء دولي وقوات أطلسية حولت مشاركتها إلى انسحابٍ بعدما تبين عبثية الحرب وكلفتها، وترْك أمريكا تواجه مصيرها، هو الدافع للانسحاب من ليبيا وتركها للدول الغربية الأوروبية لتواجه واجباتها بنفسها..

فليبيا، بالنسبة لأمريكا ليست بعداً استراتيجياً في تواجدها العالمي في المواقع الحساسة، وحتى أهمية نفطها لا تشكّل لها قضية، بينما أوروبا العكس، فسواء أكانت المستثمر أم المستهلك للنفط الليبي، فمخاوفها الأخرى لا تقل حساسية، وذلك عندما يتدفق المهاجرون عن طريق ممراتها، سواء من دول المغرب العربي، أو أفريقيا، مما يلزمها أخذ الاحتياطات المختلفة بالتدخل مهما كانت النتائج..

لقد أصبحت الحروب الصغيرة مأزقاً حاداً للدول الكبرى، فالتكاليف المادية والبشرية، والكراهية التي نشأت من هذه التدخلات، هما اللتان أدّتا إلى حذر الرئيس أوباما من أي تدخل في مآزق الدول الأخرى، كما حدث مع زمن الرئيس الابن بوش، مع أن صقور الحزب الجمهوري ممن يعيشون عقلية الأدوار الضرورية للدولة العظمى التي تحمي هيبتها وسمعتها، بدأوا يُخرجون العديد من الأصوات التقليدية باستعمال القبضة الحديدية تجاه الآخرين..

التوقعات أصبحت بالنسبة للشأن الليبي ضبابية، وفي حال استمرت المعارك فكل الاحتمالات تطرح ما هو أسوأ، سواء للشعب الليبي الذي مزقته حكاية الفرّ والكرّ، مع رجل يعيش اللامعقول، وربما تتطور إلى حروب داخلية، تتدخل فيها كل القوى المختلفة، وبالتالي فالقوة الأوروبية، بدون أمريكا، لا تستطيع الصمود طويلاً، وهذا يضعها في مأزق الاستمرار في حرب مجهولة النتائج، أو الانسحاب، وعندها سيسقط مبرر أنها قوى لها القدرة على حسم النزاعات الدولية بالتدخل العسكري، وهذا يفرغها من أدوار قادمة لأي حالة شبيهة، بل وسيضعها على محكّ أن قدراتها متراجعة أمام دول صاعدة مثل الصين والهند، وبعض الدول التي ملكت أسلحة متقدمة بما فيها أسلحة الدمار الشامل، أو الدول التي تتطلع لامتلاك هذه الأسلحة..

تقديرات أمريكا نابعة من تجارب لاتزال تعيش كوابيسها بدءاً من فيتنام وحتى أفغانستان والعراق، وليبيا مهما تشابكت أحداثها لا تفترض التورط في شأن بعيد عن اهتماماتها..

القذافي، حتى لو استعاد قوته واستولى على المدن الرئيسية، فأمره محسوم أنه قد يبقى في الحكم أزمنة قصيرة، لأن مبدأ القتل في مجتمع قبلي يحث على الثارات مهما كان الخصم، وبالتالي فسيعيش في مجتمع غير آمن ومستقر، وسيتخلص منه بأي وسيلة متاحة..