اسامة الشريف


انه نظام سياسي مأزوم يعكس حالة من الفصام الايدولوجي في بلد وصل فيه الاستقطاب بين التقدميين والمحافظين حدودا لا سابق لها. وبحسب احد المحللين فان امريكا تبدو وكأنها على وشك التعرض لانهيار عصبي عشية انتخابات التجديد النصفية للكونغرس في نوفمبر القادم. قد يخسر الديمقراطيون الاغلبية في مجلس الشيوخ وقد ينتخب الامريكيون بالمقابل مشعوذين وعنصريين ومتطرفين للدلالة على قرفهم وغضبهم وخيبة املهم من النظام السياسي المتحالف مع المجمعات المالية والصناعية والعسكرية على حساب المواطن العادي الذي يعاني من البطالة والفقر والتشريد.
هذا هو التوصيف الدارج في الاعلام، بشقيه الليبرالي والمحافظ، لما يحدث اليوم في امريكا. وتحذر الاعلامية والناشطة السياسية اريانا هفنغتون في كتابها الجديد laquo;امريكا العالم الثالثraquo; من انه اذا لم يتم اصلاح النظام السياسي الامريكي بحيث يحجم دور المال السياسي واللوبيات العملاقة فان الولايات المتحدة ستنحدر الى مستوى دولة فاشلة من دول العالم الثالث في غضون سنين قليلة.
التطرف عصف بالحزب الجمهوري الذي يشهد اليوم انقلابا داخليا تقوده ثلة من المسيحيين البيض المتعصبين دينيا وسياسيا، والذين يعرفون بمجموعة حفلة الشاي. استطاع عدد من مرشحي حفلة الشاي الاطاحة برموز الحزب الجمهوري في الانتخابات الداخلية للفوز بترشيح الحزب في الانتخابات النصفية. من هؤلاء كرستين اودونول، المتدينة التي تبين انها مارست السحر والشعوذة في صباها. ومنهم المرشح للتنافس على منصب محافظ نيويورك كارل بالادينو الذي كشف النقاب عن عنصريته تجاه السود خصوصا. وآخرون هزوا اركان الحزب الجمهوري وتحلقوا حول سارة بيلين، التي تهيء نفسها لتحدي اوباما في انتخابات عام 2012، ومتدينون يريدون اعادة امريكا الى الرب والى المثل المحافظة التي تأسست عليها الولايات المتحدة قبل اكثر من مائتي عام.
في مقابل ذلك يبدو الحزب الديمقراطي مأزوما هو الآخر أمام سورة الغضب الشعبية وخيبة الأمل في وعود الرئيس اوباما باحداث تغيير. يتهم الليبراليون ومن صوت لاوباما الادارة بالتقاعس عن احداث التغيير الجوهري الذي بشر به الرئيس. لقد انقذ اوباما البنوك والشركات الكبرى التي تسببت في الانهيار الاقتصادي الكبير، بينما لم يفعل شيئا لنجدة المواطن البسيط الذي خسر عمله ومنزله ويحاول الآن لملمة اشلاء حياته التي دمرها نظام رأسمالي فاسد وجشع.
غضب وحسرة وتطرف وانسلاخ عن الواقع يمثل الوضع الداخلي في امريكا اليوم. ولا يبدو ان الرئيس يستطيع توظيف حنكته ووسامته وسحره الشخصي لانقاذ حزبه من هزيمة مريرة، اذا ما جرت الأمور حسب ما هو متوقع لها فان الادارة والحزب الديمقراطي سيمنيان بخسارة فادحة في نوفمبر، لكن على خلاف ما كان يحدث في الانتخابات الماضية فان تأثير جماعة حفلة الشاي سيضعف ايضا من وحدة الجمهوريين الذين فقدوا صلتهم بقواعد ناخبيهم. ان انتخاب laquo;مجانينraquo; للكونغرس سيضع الولايات المتحدة امام تحديات داخلية كبرى في السنتين القادمتين.
التطرف والانحراف نحو يمين اليمين هو الرد على حدث انتخاب اول رئيس ملون في تاريخ الولايات المتحدة قبل عامين، اما الليبراليون فانهم يحذرون من انتحاء امريكا المفاجئ وأثر الاستقطاب الحاد على مستقبل بلادهم والعالم، وهم يتوسلون الرئيس اوباما سرعة التحرك لتذكير القواعد الشبابية بدورها الذي كان له الأثر الأكبر في انتخابه، عسى ان يخفف ذلك من ردة الفعل التي تتمثل في تجمع حفلة الشاي.
اذن فان امريكا وهي على اعتاب انتخابات مفصلية تعاني من الريبة والشك، ومن الاسلاموفوبيا والخوف من برامج اوباما التي يصفها مناوؤها بانها يسارية واشتراكية، ومن تبعات ازمة اقتصادية لم تنته ومن حروب غير محسومة. اذا كان هذا هو حال الدولة الاعظم والاكثر نفوذا فماذا نقول عن سائر دول العالم التي تنظر الى امريكا على انها المخلص؟