بيروت

اعلان لبنان والبحرين المشترك وفحواه أن الدولتين لن تشاركا هذا العام في المهرجان في البندقية 'بسبب الأحداث في الشرق الاوسط'، هو استمرار طبيعي تقريبا فقط للتعاون الخاص الذي نشأ في الايام الاخيرة بين الدولتين. فلهما معا مشكلة أكثر تهديدا من المهرجان. ففيهما الأكثرية الشيعية تخدم ايران باعتبارها أداة ضغط من اجل مشاركة فاعلة، وتتقاسمان خشية عربية مشتركة من الأرباح التي قد تحصدها ايران من التطورات التي ستنشأ فيهما.
في الاسبوع الماضي كانت تلك نوبة سعد الحريري الذي ما زال يتولى منصب رئيس الحكومة الانتقالية، ليخرج بهجوم مباشر على ايران. اختار خاصة مؤتمر رجال اعمال سعوديين ولبنانيين عُقد في بيروت ليوجه هجومه على ايران التي تضر كما قال 'بنسيج المنطقة الاجتماعي'.
'لا نريد أن يصبح لبنان تحت رعاية ايران كما لا نريد أن يكون اخوتنا في البحرين والكويت أو في كل دولة عربية اخرى تحت رعاية ايرانية'، قال. 'نحن ننتمي الى هذه الأمة التي اعتمدت على عروبتها في الماضي والحاضر والمستقبل، وسنثبت أننا لسنا محتاجين الى أي قومية اخرى... أحد التحديات الكبيرة التي تواجهها المجتمعات العربية هو التدخل السياسي والعسكري والاقتصادي لايران'.
إن الحريري الذي فقد ولايته في كانون الثاني (يناير)، بعد أن ألقى الرئيس ميشيل سليمان على صاحب المليارات نجيب ميقاتي أن يؤلف حكومة جديدة، قد تحرر كما يبدو من قيود السلامة السياسية التي أوجبت عليه أن يسلك سلوكا حذرا إزاء حزب الله وايران. في تشرين الثاني ( نوفمبر) 2010 عندما طلب من طهران ان تساعده في الحفاظ على الاستقرار في لبنان أبلغت الصحف في ايران أن 'زيارة الحريري لطهران هي مثال على التقارب بين ايران ولبنان وعلامة على اخفاق سياسة الولايات المتحدة والسعودية واسرائيل التي ترمي الى إحداث توتر في الدولة'، وأن الزيارة ترمز الى عهد جديد للعلاقات بين الدولتين.
انهار هذا العهد الجديد في الاسبوع الماضي مُحدثا ضجيجا كبيرا عندما ردت ايران وحزب الله على دعاوى الحريري بالتهمة المعتادة والتي تقول انه يخدم مصالح الولايات المتحدة واسرائيل، وأضافوا أن 'التهمة التي وجهها الحريري على ايران ترمي الى الطمس على تدخل الولايات المتحدة في ليبيا ودول اخرى'.
ليس الحديث عن نقاش اكاديمي في الوضع في الشرق الاوسط إن تبادل الاتهامات بين الحريري وحزب الله وايران جزء لا ينفصل عن الصراع السياسي داخل لبنان الذي لا ينجح منذ ثلاثة اشهر في انشاء حكومة. كان يفترض أن يكون انشاء حكومة جديدة علامة على قمة النجاح السياسي لايران وحسن نصر الله اللذين رأيا طرد الحريري وجماعته عن السلطة انجازا استراتيجيا، انجازا لا يضمن فقط الغاء فاعلية المحكمة الدولية في شأن مقتل رفيق الحريري ومنح ناس حزب الله الحصانة من أن يتم اتهامهم بالقتل بل يولد ايضا قانون انتخابات جديدا وتغيير لميزان القوة الطائفي في الدولة.
كان يفترض أن تُنهي موافقة حزب الله على تعيين ميقاتي الجدل الذي لا ينتهي في شأن مكانة السلاح الذي في حوزة حزب الله ولا سيما بعد تصريح الحريري الشاذ في الشهر الماضي والذي قال 'حان وقت أن ينزع حزب الله سلاحه'. بيد أن هذه الحكومة الجديدة أكثر من كل ذلك يفترض أن تمثل جميع الطوائف وجميع التيارات السياسية على نحو يمنحها شرعية عامة بحيث لا تُرى وكأنها تابعة لحزب الله ولايران بواسطته. إن ميقاتي الذي يترأس اتحادا اعماليا ضخما ويُعد ذا قدرة ممتازة على اجراء تفاوض، واجه هذه المرة تحديا صعبا جدا؛ فهو يدرك أن تأليف حكومة لبنانية أمر معقد ومركب أكثر من تعيين مجلس مديرين في شركاته المتشعبة.
احدى المشكلات المركزية هي تعيين وزير الداخلية الذي لا اتفاق عليه بين الرئيس سليمان وبين حزب الله. فكل واحد منهما يريد أن يأتي وزير الداخلية من بين مؤيديه لأن هذا الوزير يستطيع أن يؤثر في التطورات الأمنية داخل الدولة، وأن يحدد اجراءات في مسألة المحكمة الدولية وأن يوجه بخاصة صياغة قانون الانتخابات الجديد الذي يأمل حزب الله بواسطته إزالة المظلمة السكانية السياسية التي وقعت على الطائفة الشيعية كما يزعم.
يجب على ميقاتي أن يعالج ايضا 'الملف الايراني' الذي وضعه الحريري على بابه، وأن يقرر موقفا لبنانيا من ايران. أوضح ميقاتي في الحقيقة أن 'التعبير عن مواقف من ايران لا تُعبر عن موقف لبنان ليس مجديا'، أي أنه يحسن أن يصمت الحريري الآن، لكن الصمت الذي حكم به الرئيس سليمان على نفسه عدم الرد حتى الآن على قضية الشجار بين الحريري وايران يجعل من الصعب على ميقاتي أن يقرر سياسة لبنان الخارجية.
في اثناء ذلك يزداد الضغط على ميقاتي لتأليف حكومة سريعا. دعا الشريك المسيحي لحزب الله، الجنرال ميشيل عون، الذي يترأس الحركة الديمقراطية الحرة، دعا ميقاتي 'الى تأليف حكومة فورا أو الى اعتزال عمله'. إن عون الذي يطلب الحصول على 12 وزيرا من بين 30 أثبت في الماضي عدم استعداد للمهادنة ولا سيما في كل ما يتعلق بالحقائب التي تمنح قوة ومالا كبيرين. إن هذه الازمة، الى جانب التطورات العنيفة في سورية، تجعل حزب الله في موقف سياسي غير مريح لانه مع عدم وجود حكومة لا يوجد من يُستعمل الضغط عليه ولا يوجد من 'يُجبى ثمن' منه ولا طريقة لتقديم المصالح السياسية. إن حزب الله الذي تخلص منذ زمن من مكانة منظمة وحصل على مكانة حزب ذي قوة، يصادم الآن القواعد التي أقرها هو نفسه. فهو الذي يحتاج الى دولة تؤدي عملها كي يزيد في مكانته، وهي مترددة.

هآرتس