حسين العودات


طالب المتظاهرون في المدن السورية بإلغاء قانون الطوارئ، واعتبروا أن هذا المطلب له الأولوية ويقع على رأس مطالبهم، وقد وعد الرئيس بشار الأسد في خطابه أمام مجلس الشعب بتاريخ ‬30/‬3/‬2011 بتشكيل لجنة لدراسة إلغاء هذا القانون وإصدار قانون بديل يحفظ أمن (الوطن والمواطن)، كما وعد في خطابه أمام مجلس الوزراء بتاريخ ‬16/‬4/‬2011 بعد أداء الوزراء القسم أن هذا القانون سيلغى خلال مدة أقصاها أسبوع واحد في إطار إصدار (حزمة من القوانين) كما قال الرئيس الأسد، فما هو قانون الطوارئ السوري هذا الذي يختلف المتظاهرون والنظام السياسي على إبقائه أو إلغائه، وقد تصاعدت مواجهاتهم حوله ووصلت إلى درجة العنف؟

صدر قانون الطوارئ بالمرسوم التشريعي رقم ‬51 تاريخ ‬22/‬12/‬1962 أي قبل تولي حزب البعث السلطة بعدة أشهر، ثم أقر مجلس قيادة الثورة بعد استلام السلطة ببيانه (رقم ‬2) حالة الطوارئ التي تكرس العمل بهذا القانون وتفصّل في إجراءاته، وقد طُبق القانون خلال ثمان وأربعين سنة ومازال يطبق، وتعرض خلال هذه السنين لتفسيرات وتأويلات وتفصيلات حتى أصبح وسيلة بيد الأجهزة الأمنية تمكنها من السيطرة المطلقة على الناس، وصار تطبيقه في الواقع كيفياً واتسع مجاله ليشمل كل حركة أو حراك في المجتمع السوري، وخرج كلياً عن الغايات الأصلية التي أقر من أجل ضبطها، وأصبح سيفاً حقيقياً مسلطاً على رقاب السوريين، ووسيلة للهيمنة على حراكهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي بل على مطلق حراك عام أو خاص.

إن السبب الرئيس لإعلان حالة الطوارئ (المادة ‬1) هو إعلان الحرب أو تعرض الأمن أو النظام العام للخطر، بسبب حدوث اضطرابات داخلية أو وقوع كوارث عامة، ويمكن أن تتناول حالة الطوارئ جميع الأراضي السورية أو جزءاً منها وقد شمل جميع الأراضي السورية منذ اليوم الأول ويسمى رئيس الوزراء حاكماً عرفياً ويمكن له أن يسمى نواباً له يمنحهم الصلاحيات التي يريد، وقد سمي وزير الداخلية السوري نائباً للحاكم العرفي.

وضع قانون الطوارئ السوري بمادته الرابعة قيوداً على حرية الأشخاص في الإقامة والاجتماع والتنقل والمرور في أوقات معينة، وتوقيف المشتبه فيهم، أو الخطرين على الأمن والنظام العام توقيفاً احتياطياً، وأجاز لأجهزة الأمن، بدون علم أو موافقة القضاء، تحري الأشخاص والأماكن في أي وقت، وتكليف أي شخص تأدية أي عمل من الأعمال، ومراقبة الرسائل والمخابرات الهاتفية أياً كان نوعها، وكذلك مراقبة الصحف والنشرات والمؤلفات والرسوم والمطبوعات والإذاعات وجميع وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها، وضبطها ومصادرتها وتعطيلها وإلغاء امتيازها وإغلاق أماكن طبعها، وتحديد موعد فتح الأماكن العامة (المحلات التجارية وغيرها) وموعد إغلاقها. وإخلاء بعض المناطق أو عزلها، وتنظيم وسائل النقل وحصر المواصلات وتحديد سيرها بين المناطق المختلفة. والاستيلاء على أي منقول أو عقار، وفرض الحراسة المؤقتة (دون حكم محكمة أيضاً) على الشركات والمؤسسات، وتأجيل الديون والالتزامات المستحقة أو التي تستحق على ما يجري الاستيلاء عليه.

وقضى المرسوم في مادته السادسة سحب يد القضاء الطبيعي من النظر في الأمور التالية وإحالتها إما إلى القضاء العسكري أو إلى المحاكم الاستثنائية (محكمة أمن الدولة، محكمة الأمن الاقتصادي) وهذه الأمور هي: الجرائم الواقعة على أمن الدولة، والنيل من هيبة الدولة ومن الشعور القومي والجنايات الواقعة على الدستور، والفتنة ومحاولات اغتصاب سلطة سياسية، والإرهاب، والجرائم التي تنال من الوحدة الوطنية أو تعكر الصفاء بين عناصر الأمة، وتأسيس جمعيات سرية، والقيام بمظاهرات وتجمعات، وتمزيق الإعلانات الرسمية وغيرها من الإجراءات والتقييدات التي توسعت ومازالت تتوسع حتى شملت كل شيء تقريباً.

الملاحظ أنه لو كانت الغاية مواجهة حالة الحرب مع إسرائيل لشمل قانون الطوارئ الأراضي المحاذية لخطوط الهدنة أو خطوط وقف إطلاق النار، لكنه شمل كافة الأراضي السورية، أما في حيز التطبيق والتوسع في التطبيق فقد أعطيت أجهزة الأمن الحق بمنع اجتماع أكثر من ثلاثة أشخاص، وفرضت موافقة مسبقة منها على احتفالات الأعراس، وعلى أي نشاط جماعي مهما كانت مهمته، كما منعت سفر آلاف السوريين لخارج البلاد، وأخذت حق منع المرور وإغلاق الشوارع وتحديد الاتجاه الممنوع والمسموح فيها، وإلزام دوائر الدولة بطلب موافقة الأمن على توظيف أي موظف جديد، (وقد ألغت السلطة قبل عشر سنوات طلب الموافقة على ممارسة خمس وستين مهنة كانت تقتضي الموافقة المسبقة، بدءاً من محلات السندوتش وصولاً إلى طلب الموافقة بتأسيس دار نشر أو مؤسسة دراسات) كما فرضت الرقابة المسبقة على الصحف والكتب قبل نشرها وعلى وسائل الإعلام. وفي الوقت نفسه صار لها الحق في اعتقال من تشاء من المواطنين بأمر عرفي دون معرفة القضاء، وأحياناً يطول هذا الاعتقال عشر سنوات أو خمس عشرة سنة دون تقديم المتهم إلى المحاكمة، وتتهم أي معتقل بأي شيء بعد كل هذه المدة، مثلاً إضعاف الشعور القومي أو النيل من هيبة الأمة أو تهديد أمن الدولة أو تعكير الصفاء بين عناصر الأمة، وكلها تهم عامة وغامضة وغير محددة، وقد سجن عشرات النشطاء السياسيين بل مئات سنوات طويلة بمثل هذه التهم، ومازال بعضهم يقضي فترة سجنه حتى الآن.

في ضوء مرسوم الطوارئ وتطبيقاته واجتهادات أجهزة الأمن، وطول المدة التي طبق خلالها، أصبحت حالة الطوارئ تطال كل شيء في البلاد، وأصبحت أجهزة الأمن مهيمنة على كل شيء، وبطبيعة الحال أتيحت الفرصة لها ـ بسبب هذا المرسوم ـ للابتزاز والرشوة والفساد والقمع والاستبداد مما أدى إلى احتقان السوريين وحصول ما حصل.