محمد الرميحي


في خلال أسبوعين، استقبل البيت الأبيض اثنين من قادة الخليج، الأول هو أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة، والثاني ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد. في السابق كان البيت الأبيض مهيئا لاستقبال رؤساء عرب من أهل الكثافة السكانية، اليوم يستقبل زعماء عرب من أهل القرار.
الخليج بشكل مباشر أو غير مباشر كانت له اليد الطولى في متابعة ربيع العرب بشكل نشط، المساهمة العسكرية ومن ثم السياسية في أحداث ليبيا أصبحت واقعا معاشا. فقد كان لقطر والإمارات وبعد ذلك الكويت دور واضح في مساعدة الشعب الليبي، كما أن التوسط النشط لجميع دول مجلس التعاون الست، الذي بدأ من الرياض في المشكلة اليمنية، يعني ضمن ما يعنيه أولا أن دول الخليج الست تتفهم الأسباب التي جعلت من اليمنيين والليبيين الخروج على أنظمتهم السياسية طلبا للتغيير. وثانيا اعتراف غير مباشر بأهمية التغيير إلى الأفضل الذي تطلبه الشعوب، خاصة في المشهد السياسي.
هناك حقائق مصاحبة أيضا، فمهما كان موقف البيت الأبيض من الرضا ومهما كانت المباركة من الغرب لما تتخذه دول الخليج من سياسات في التعاون معها على الساحة الإقليمية والدولية، فإن سياستها لا تخضع للعواطف، المصالح هي حجر الزاوية في أي علاقات مع أي أطراف أخرى. لقد صرفت واشنطن النظر عن حلفاء داموا سنين يتفقون معها في كل واردة وشاردة، وما إن جاء صوت النذير في ساحات تلك الدول الكبيرة والحليفة طلبا للتغيير، حتى قلبت واشنطن ظهر المجن، وتعاملت سريعا مع القوى الجديدة.
نجاح العلاقة مع واشنطن أو غيرها من العواصم مفتاحه ضبط العلاقة الداخلية. وليس سرا أن واشنطن أرسلت رسائل غير مريحة إبان الأزمة البحرينية الأخيرة، بل وقدمت بعض النصائح المبنية على معلومات خاطئة، إن أحسنا النية، وتضليل، إن ركبنا موجه نظرية المؤامرة.
ضبط العلاقة الداخلية في الساحات الخليجية له الأهمية القصوى، سأبدأ بالبحرين، الحل الأمني حل مؤقت، المطلوب حل سياسي يأخذ بالحسبان إصلاح النظام وإصلاح العلاقة بين أطراف الشعب. الركون فقط إلى الحل الأمني قد يثبت أنه مؤقت ومكلف أيضا. الحل السياسي يبدأ بمحاولة إقناع دءوبة لا تمل من أن الجسم الوطني واحد، وأن الأمة كلها لم تجتمع على لون واحد من الاجتهادات الفقهية، لذلك يجب إخراج الخلاف الفقهي الذي يتستر به البعض من اللعبة السياسية، والاعتماد على حل سياسي يحقق العدالة للجميع. ذلك يحتاج إلى وقت وإلى جهد، ويقيني أن متخذ القرار في البحرين يعرف ذلك ويسعى إليه.
دول الخليج حققت الكثير من الإنجازات، تلك حقائق ثابتة لا تقبل الجدل، وقيام ربيع العرب في بعض أقطارهم هو بسبب تلكؤهم في الإصلاح، وقد يرى البعض أن هذا الربيع لن تصل عواصفه إلى دول الخليج. ذلك رأي، إلا أن هناك رأيا آخر يقول إن أهل الخليج يتأثرون بما حولهم، ليس الجوار العربي فقط، بل وحتى الدولي. انظر ما حدث في أعقاب الأزمة الاقتصادية الدولية منذ ثلاث سنوات، لقد ضربت اقتصادات الخليج بقسوة وعانت بعض شركاته حتى الإفلاس، وتباطأت الدورة الاقتصادية إلى حد ارتفاع نسبة البطالة، حتى مع ارتفاع تاريخي لأسعار النفط لم تزل نتائج ذلك بادية للعيان.
التأثير والتأثر السياسيين من خلال ما يجري في المشرق والمغرب العربيين لا شك قادم. ومع النجاحات التي تحققت في الخليج، هناك إخفاقات.
الإدارة المجتمعية بشكل عام تعاني من تقديم الولاءات والعلاقات الاجتماعية على الكفاءات. وهناك ضجر متسع لدى النخبة في الخليج من التلكؤ غير المبرر في الإصلاح الإداري والقضائي، الذي تجعل سلبياته المواطن موضع laquo;حُقرةraquo; أي أن مطالبه إما تتجاهل أو تسوف. الحُقرة هي واحدة من الأسباب القوية التي جعلت من التونسي والمصري والليبي واليمني والسوري، وما لا نعلم اليوم من شعوب عربية، تأخذ المطالب الشعبية إلى سقف غير مسبوق. الحُقرة ألهمت الناس في الشوارع العربية بالانتفاض، وعلمتهم أنهم ليسوا بحاجة إلى، ولا انتظار، laquo;انقلاب عسكريraquo; أو انقلاب لأحد أجنحة الحكم على جناح آخر حتى تتغير الأمور. حتى السلفيون ظهر من بينهم من يفرق بين حرمة الخروج على الحاكم بالسيف، وهي ما زالت محرمة لديهم، وشرعية الخروج على الحاكم بالاعتصامات والمظاهرات، وقد أصبحت حلالا لدى جمهور قياداتهم بعد ما حدث في تونس ومصر. فما بالك بالنخب الأخرى، مثل أولاد وبنات الطبقات المتوسطة، والمنضمين إلى حركات الإسلام السياسي، والنخب الجيدة المتعلمة والمهنية.
الخلافات المستحكمة بين أجنحة الحكم في بعض بلدان الخليج مؤرقة، لا لأنها خلافات، ولكن لأنها معطلة للتطور، بصرف النظر عن، أو محاولة تكتيم، الآراء المطالبة بالإصلاح، واعتبارها خارجة عن السياق المطلوب أيضا مضرة، إصلاح التعليم وتنقيته من الخرافات من أجل تمكين هؤلاء المتخرجين بالآلاف من الدخول السلس إلى سوق العمل المحلية والدولية في قرن يعتمد على إنتاج الخدمات والتقنية الحديثة، أمر له أولوية قصوى.
التحول إلى المواطنة بحقوقها وواجباتها هي التي يجب أن تكون من أوليات التفكير المستقبلي في الخليج، لم تعد هذه المجتمعات في بناها السياسية قبلية أو طائفية، هي مجتمعات متداخلة، من المفروض أن تكون العدالة الاجتماعية والمساواة أمام قوانين حديثة هي هدف عاجل مع كل المؤسسات التي تتبعها.
آخر الكلام:
يقول الجاحظ، رحمه الله، واصفا حال أهل زمانه في القرن الثالث الهجري: laquo;إن لهم نفسية العبيد، وطبيعة القطيع، وسلوك العوامraquo;. هل تذكركم بشيء في زماننا؟!