سيد أحمد الخضر

عندما laquo;قرر الرئيس محمد حسني مبارك تخليه عن منصب رئيس الجمهوريةraquo; -أقصد عندما خلعت الجماهير المصرية الهادرة الرئيس وأحالته إلى ظلمة السجن- بدا جلياً أن محور ما يسمى بالاعتدال في الشرق الأوسط فَقَدَ أهم أدواته في الهيمنة على القضايا الرئيسية، فقد كان مبارك المعتدل الأول الذي تحج إليه كل أسبوع وفود الاعتدال من واشنطن والسعودية والإمارات والأردن ورام الله وتل أبيب.
مثّل خلع الرئيس المصري محمد حسني مبارك بالنسبة للكثير من المتابعين انتكاسة كبيرة للقوى التي تؤمن بأن ما أخذ بالقوة يسترد بالحكمة ودفْع واشنطن للضغط على إسرائيل.
قلنا جميعا إن التيار الممانع سيحقق إنجازات سياسية كبيرة بعد رحيل مرشد الاعتدال، وعزّز من وجهة النظر هذه اعتراف مصر ما بعد الثورة بشرعية حركة الإخوان وعزمها افتتاح معبر رفح ورسائل المشير الإيجابية تجاه إيران، تلك الرسائل التي خلقت هواجس في معظم العواصم الخليجية. باختصار كان المتابعون يرون في زوال النظم المصري بداية صعود لسوريا وإيران وحماس وحزب الله وكل من يتبنى المقاومة حقاً أو خداعاً.
لكن مد الثورة لا يعترف بحدود معينة ولا يتهيب شعارات التحدي والصمود. لقد حدث ما لم يكن في الحسبان. ثار السوريون وسخروا من مقاومة لم يروا منها طيلة أربعين عاما إلا دبابات تدمر قرى السكان وتحيل الآلاف إلى المقابر. الرئيس السوري وحزب البعث معه في طريقهما إلى الزوال بعد أن فقد الأمن السيطرة على ضبط الشارع. زوال النظام الوحيد الذي يدعي تبني خيار الممانعة يعني أن الحركات الإسلامية باتت مكشوفة أمام أميركا والدول الموالية لها من العرب، ويعني أيضا تعطل خط الإمداد بين إيران من جهة وحماس وحزب الله من جهة أخرى.
الحاصل إذن هو عكس ما توقعه المحللون فلن تستفيد التيارات الممانعة من الثورة المصرية لأن الغياب الوشيك للنظام السوري يضع الكثير من العقبات أمام هذه الحركات وقد يلغي وجودها أصلا. بينما نرى دول الاعتدال متماسكة، تحت الراية البيضاء طبعا، وقادرة على نفخ الروح في السلطة الفلسطينية والتحدث إلى الأميركيين والأوروبيين.
عندما تكتمل الثورة السورية ستكون الأولوية في دمشق لتحرير الجولان ومحاربة إسرائيل أو السلام معها في العلن، بدل دفع اللبنانيين لدفع ثمن الصراع مع إسرائيل والمتاجرة بدعم تحرير فلسطين.
ونتيجة كهذه تعني أنه يجب البحث عن بديل في حسم الصراع مع إسرائيل. ولعل من المؤسف أن جميع الدول التي laquo;تناصرraquo; القضايا العادلة وتلك التي تتفهمها أيضا هي دول هزيلة جدا وهشة التكوين. إن جمهورية مثل إيران لا يمكن أن تكون نصيرا مهماً لقضية تحررية ما دامت شوارع طهران ساحة للقمع، وتنطبق هذه الحالة على فنزويلا. وحتى روسيا التي تقدم نفسها نداً للغرب لا يمكن أن تدعم تطلعات الشعوب للحرية والاستقلال حيث تضطهد الكثير من الأقاليم المجاورة لها وتصادر حرية السكان.
طبعا ليس البديل في الانبطاح أمام واشنطن وسماسرتها من العرب، لكن الحل لن يكون عبر رهن قضية بحجم فلسطين لأنظمة لا يُعرف من بطولاتها إلا تهربها من مواجهة إسرائيل وجهلها لقيم الحرية والعدالة، وقديما قيل: فاقد الشيء لا يعطيه.
ستبقى التيارات الممانعة ضعيفة الأداء في الفترة المقبلة، ولن يكون التكيف مع المعطى الجديد سوى بإقناع الشارع العربي والشعوب الحرة بخيار الجهاد. هزيمة تل أبيب هي في وصول صوت الحركات المقاومة إلى الجامعات وساحات التغيير والبرلمانات التي ستفرزها انتخابات ما بعد الثورة، وعندما تتبنى الجماهير العربية نضالاً لا تشوهه خطابات القذافي وشعارات الأسد سنهزم اليهود دون الحاجة لمهاترات شافيز وصراخ نجاد.