Joe Klein - Time


أعلن أوباما أنه سيعارض بشدة أي جهد أحادي الجانب لإعلان دولة فلسطينية في الأمم المتحدة، لكن بدل تقدير هذه التصريحات، اختار نتنياهو، بكل غطرسة، إلقاء محاضرة على مسامع الرئيس لانتقاد موقف لم يعلنه أوباما، أي العودة إلى حدود ما قبل عام 1967. فما الذي يدفع نتنياهو إلى إبداء هذا الموقف الوقح والاستفزازي؟

من بين جميع المضايقات السخيفة والتجاوزات والإهانات التي تطبع الحياة العامة، أكثر ما يكرهه باراك أوباما هو تحريف كلماته أو تبسيطها أكثر من اللزوم. إنه أحد الأسباب الرئيسية التي تفسر غضبه من وسائل الإعلام وتبرر سخطه العارم من البرامج الحوارية الداعمة للحزب الجمهوري. بالتالي، يسهل أن نتخيل مدى استياء الرئيس الأميركي حين عمد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى تحريف تصريح أوباما بشأن ضرورة تجديد التفاوض على حدود اسرائيل- وقد حصل ذلك بحضور أوباما، في المكتب البيضاوي، في 20 مايو. كان الرئيس قد قال إن حل إقامة الدولتين، الذي يزعم نتنياهو دعمه، يجب أن يرتكز على حدود ما قبل عام 1967، مع الاتفاق على تبادل بعض الأراضي بما يمكن إسرائيل من ضم غالبية مستوطناتها غير الشرعية إلى أراضيها، فضلاً عن منح الفلسطينيين مساحات متساوية من الأراضي الاسرائيلية.

هذا الاقتراح ليس ثورياً بأي شكل. ففي عالم مفاوضات السلام السرية في الشرق الأوسط، يُعتبر هذا الاقتراح بديهياً. لقد استُعملت هذه الصيغة تحديداً من جانب وزير الخارجية الإسرائيلي بعد أن قابلت هيلاري كلينتون نتنياهو في 11 نوفمبر. وكان تبادل الأراضي في صلب المحاولة التي أطلقها بيل كلينتون للتفاوض على اتفاق سلام في عام 2000، كما كان في صُلب الجهود التي بذلها رئيس الحكومة الإسرائيلي إيهود أولمرت للتفاوض على السلام مع الفلسطينيين في عام 2008. كذلك، يتم تداول بعض الخرائط التي تشير إلى شكل تلك الحدود.

غير أن نتنياهو أقدم على خطوة صادمة، فاختار تجاهل الجزء المتعلق بتبادل الأراضي، وقرر الإغفال عن بعض الأجزاء المهمة والمتشددة بعض الشيء في الخطاب الذي ألقاه أوباما في 19 مايو بشأن سياسة الشرق الأوسط، حين كرر أن اسرائيل ليست مضطرة للتفاوض مع جماعات إرهابية مثل حماس التي تنكر حقها بالوجود، وأن أمن إسرائيل يستلزم وجوداً عسكرياً طويل الأمد في وادي نهر الأردن، قبل الانسحاب التام في نهاية المطاف (لكنه لم يذكر أي جدول زمني لذلك الانسحاب). كذلك، شدد أوباما على ضرورة نزع الأسلحة من أي دولة فلسطينية مرتقبة، وأعلن أنه سيعارض بشدة أي جهد أحادي الجانب لإعلان دولة فلسطينية في الأمم المتحدة. لكن بدل تقدير هذه التصريحات، اختار نتنياهو، بكل غطرسة، إلقاء محاضرة على مسامع الرئيس لانتقاد موقف لم يعلنه أوباما، أي العودة إلى حدود ما قبل عام 1967.

ما الذي يدفع نتنياهو إلى إبداء هذا الموقف الفظ والاستفزازي؟ هو ببساطة مخول لفعل ذلك. فهو يضمن دعم الكونغرس الأميركي في جميع الأحوال، وقد اتضح ذلك من حدة التصفيق الذي ترافق مع خطابه خلال جلسة مشتركة 'فضلاً عن حضور 68 شخصاً من أعضاء مجلس الشيوخ و286 ممثلاً عنهم لمأدبة لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (إيباك) في الليلة التي سبقت خطابه'. كما أن نتنياهو يملك حجة أقوى هذه المرة. فالمصالحة الظاهرية بين الفصائل الفلسطينية تسمح له بالتركيز على أسوأ مخاوف إسرائيل: عندما يحين وقت الجد، لا ينوي الفلسطينيون الاعتراف بحق إسرائيل بالوجود مطلقاً. أما الاستثناء الوحيد في هذه الحالة- أي إقدام ياسر عرفات على توقيع اتفاقات أوسلو- فيبدو فارغاً بما أن الفلسطينيين عادوا ورفضوا عروض كلينتون وأولمرت. لكن كان لهجوم نتنياهو أثر تكتيكي مهم أيضاً: خلال الأسبوع الذي شهد هذه المواجهة في الخطابات، تراجع الحديث عن عملية بناء المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية على الأراضي الفلسطينية- وهو عامل يعوق عقد السلام بقدر ما يفعّل رفض الفلسطينيين الاعتراف بحق إسرائيل بالوجود. فضّل نتنياهو الهجوم كي لا يضطر إلى أن يتخذ موقفاً دفاعياً.

يدرك نتنياهو طبيعة السياسة الأميركية، وقد كانت الراحة التي بدت عليه وفصاحته في الكلام أثناء خطابه في الكونغرس دليلاً صريحاً على ذلك. بالتالي، لا بد أنه كان يدرك الأثر السياسي الذي سيترتب عن مناورته المبتذلة هذه، فهو الآن أعلن صراحةً دعمه للجمهوريين في عام 2012. كان ميت رومني يستطيع ادعاء أن أوباما 'تخلى عن إسرائيل بالكامل'، لكن نظراً إلى الدعم الذي يحظى به نتنياهو في الكونغرس، يمكن أن يفلت بتصريحاته الجريئة هذه، مع أنها تنمّ عن سلوك غير مناسب بالنسبة إلى حليف للولايات المتحدة، ويمكن أن نراهن على أن أوباما لن ينسى موقفه هذا.