مأمون فندي


انتقلت مصر من حالة laquo;الشعب يريد..raquo; إلى حالة جديدة، وربما تكون فيها وصفة الاستقرار، وهي حالة laquo;الجيش يريد..raquo;. فقد كان واضحا في تصريحات مساعد وزير الدفاع المصري اللواء ممدوح شاهين في حديثه لمؤتمر الوفاق الوطني بأنه يريد وضعا خاصا للجيش يحميه من أهواء الرئيس القادم، ويحمي للجيش خصوصيته وسرية ميزانيته، مما يجعله أقرب إلى موقع الجيش في النظام التركي. الجيش هو حامي البلاد من أخطار الخارج والداخل أيضا (من أهواء الرئيس). في تصوري أن مطلب اللواء ممدوح شاهين فيه شيئان، الأول هو المطلب من قبل القوات المسلحة، وهو يبدو على ظاهره وكأنه مطلب لا يختلف عن بقية المطالب الفئوية في المجتمع برمته، التي لها طلبات مشروعة، والتي عبر عنها الشعب كل يوم تحت راية laquo;الشعب يريد..raquo;، هذا السلوك وهذا المطلب ليس هو ما يهمني في هذا المقال، ما يهمني هو الشق الثاني من المطلب، أو دلالته السياسية، فواضح من هذا المطلب العسكري بالطريقة التي طرح بها أن الجيش، أو على الأقل قادة المجلس العسكري ممن يمثلون الأفرع والأذرع المختلفة للجيش، يبحثون عن صيغة أو مخرج يؤمنون به مستقبلهم ومستقبل القوات المسلحة بعد تسليمهم للسلطة، ويطرحونها اليوم وعلى الملأ، ليس بلافتة laquo;الجيش يريد..raquo; ولكن بكلام اللواء شاهين في مؤتمر الوفاق، وبأدب وتخوف شديدين. ولكن بعد أن تقرأ ما قال عن وضعية الجيش بتمعن بعد كل الديباجات، فإن ما طرحه اللواء شاهين، هو بالفعل لا يمكن ترجمته إلا على لافتة تقول laquo;الجيش يريد..raquo; وأنا شخصيا مع هذا المطلب إن كنا نريد أن نبحث عن مخرج للاستقرار في مصر، بعيدا عن مراهقات الصبية التي يلوكها الإعلام المصري كل يوم.

ماذا تعني عبارة laquo;الجيش يريد..raquo;، تعني أول ما تعني أن المجلس لا يثق فيمن حوله وفيمن تحالف معهم، ولو بشكل مؤقت بعد نجاح الثورة، ولكنه يريد مخرجا يجعله يتصرف بحرية في اختيار تحالفاته، أما اليوم فهو متحالف مع جماعة لأنه ليس هناك بديل في الأطياف الأخرى التي تتراقص على السلم وتغير مطالبها وصفاتها وأشكالها وألوانها كل يوم، بل كل ساعة أو ساعتين. الجيش يريد من يحرره ممن أمسكوا بتلابيبه بعد الثورة، فالجيش لا يستطيع أن يفعل شيئا، لأنه في ورطة تحالفات الليلة التالية لنجاح الثورة. الجيش له أمواله، ومعداته ومصالحه، ومطالبه، التي يريد أن يضمن، ومن خلال عملية سياسية أو دستورية، من يؤمن له هذه المطالب والمصالح، وحتى الآن الجيش، على ما يبدو لا يثق في أحد، لا في الأشخاص ولا في العملية السياسية التي هو جزء من رسم ملامحها، مجبر أخاك لا بطل، هذا هو وضع المجلس العسكري اليوم مع laquo;الإخوانraquo; وغيرهم.

كلنا يعلم، وخصوصا من درس ألف باء العلوم السياسية، أن مصر على مدى الثلاث أو الأربع سنين المقبلة سيكون بها أكثر من معركة طاحنة، أولها معركة laquo;هوية الدولة المصريةraquo;، وهي هوية لن تحسمها الدساتير أو التشريعات، بل هي هوية ستحسمها معارك شوارع، في جو من الانفلات الأمني الداخلي، وجو من الاضطرابات الإقليمية، والعوز الاقتصادي.

لقد كان مبارك بمثابة الصخرة الكبيرة في حديقة مصر، متى ما رفعت هذه الصخرة، خرجت من تحتها الأفاعي، والدبيب بأنواعه المختلفة من العقارب والقوارض، كما رأينا تحت الصخرة طحالب وعطنا، وعفنا كثيرا، بدا واضحا لدينا وضوح الشمس، وما العقارب بسمومها، والقوارض بأنيابها، والأفاعي، سوى تلك المادة الأولية التي تتكون منها حرب laquo;هوية الدولة المصريةraquo; في السنوات المقبلة، فليس بكتابة الدستور كما رأينا في العراق، ولا باختيار رئيس، أو بتوزيع الحصص السياسية يحدث الاستقرار، فالتفجيرات في عهد المالكي، زادت عما في عهد صدام أو حتى في أوائل الاحتلال. في ظل أجواء المستقبل الغامض هذه يحاول الجيش المحافظة على تماسكه، وعلى وضعه وهيبته، من خلال تحالفه مع القوى التي تحالف معها بعد نجاح الثورة مباشرة.

الجيش أو المجلس العسكري في صيغة كلام اللواء شاهين، رغم أنه هو من يحمي الشعب ويحمي الثورة والشرعية، فإنه في هذا التصريح يطالب الجيش بحماية الشعب له، أي أنه يطالب الشعب بأن يحمي الجيش مما قد تسفر عنه العملية السياسية التي تتسم بالمراهقة حتى الآن مما قد يسفر عنها من تهديد لوضع الجيش كحام للبلاد وللدستور وللشرعية. إن تصريح اللواء ممدوح شاهين لهو صرخة واضحة ضد ما يمكن أن تسفر عنه مراهقات بعض المصريين الحالية من تقويض العمود الفقري للدولة المصرية، وهو الجيش. ولكي تخرج مصر من أزمتها الحالية وما يستتبعها من أزمات، ضروري أن يستجيب المصريون الشرفاء لمطلب laquo;الجيش يريد..raquo;، ففي طمأنة الجيش طمأنة لمصر، وحتى هذه اللحظة بعد زيارتي الأخيرة لمصر، أدعي أن الجيش laquo;مش مطمنraquo;، أي غير مطمئن.