ظافر محمد العجمي

لكل عقد في الزمان قاموسه، وتأتي التوجهات التدخلية الخليجية الأخوية في اليمن كأكثر مفاهيم العلاقات الدولية تداولا وممارسة هذه الأيام، مهيئةً الفرصة لدول الخليج لإدارة الأزمات على المستوى الإقليمي بأسلوب الفعل وليس رد الفعل.
فالضعف وهشاشة القدرة الأمنية والاقتصادية والسياسية في اليمن يغري كل دول الجوار الإقليمي والقوى الكبرى بانتهاج مبدأ التدخل الاستباقي والقفز هناك من خلال التحالف مع الحوثيين، الحراك الجنوبي، المعارضة، حركة الشباب، أو حتى مع القاعدة.
فالسباق لإيجاد موضع قدم في ثنايا الوديان بين جبال اليمن المطلة على البحر الأحمر، باب المندب، بحر العرب وخليج عدن، كان قد بدأ قبيل رحيل الرئيس علي عبدالله صالح المفاجئ، بل إنني أزعم أن تلكؤه -الذي عجلته شظية تجيد تتبع الإحداثيات- كان تلكؤا لحساب بعض المتسابقين نظير ضمانات لصالح وزمرته.
إن مآلات الأمور في اليمن تشير إلى حتمية حدوث فراغ للقوة نتيجة واحد من سيناريوهات ثلاثة:
السيناريو المحتمل الأول: الأزمة الممتدة واستمرار الوضع الراهن كما هو بما يحمله من سمات عدم الاستقرار والتي تشمل الصراع بين أقارب صالح، بقيادة ابنه العميد أحمد وحرسه الجمهوري، ضد تجمعات المعارضة وقبيلة حاشد وفرق الجيش المنشقة، ويدعم هذا الاحتمال بقاء الحكم الفعلي حتى الآن بيد أقارب الرئيس ومدير مكتبه، نتيجة الفراغ السياسي القائم بسبب غياب أبرز قيادات الدولة، والإصرار على عدم إعطاء عبدربه منصور هادي نائب الرئيس اليمني فرصة لممارسة مهامه.
السيناريو المحتمل الثاني: عودة الرئيس صالح، مما يعني إحباط آمال المعارضة بانتقال سريع للسلطة وإفساد فرحتهم العَجول بهروبه. كما يعني عودة رجل يحمل بين أسنانه خنجر الانتقام. والمشهد الخلفي لهذا السيناريو بلد غارق في الفوضى ومنقسم على نفسه، ومن سماته الرئيسية استمرار الإخفاق في دفع صالح لتوقيع المبادرة الخليجية واستمرار الاعتصامات وإراقة المزيد من الدماء بوتيرة أشد مما كانت قبل عودته.
السيناريو المحتمل الثالث: نجاح المعارضة في تشكيل الحكومة التي وردت في المبادرة الخليجية، واحتواء الفوضى جزئيا، مع هشاشة في مناحي الحياة السياسية والأمنية والاقتصادية ستدفع بالحكومة الجديدة لطلب العون الخارجي، بل قبولها من قوى إقليمية -من الخطورة بمكان- السماح لها بالتواجد في اليمن، بل إن الحكومة الجديدة قد تحذو حذو غيرها من الأنظمة العربية الجديدة في طَرق باب طهران، لا حبًّا في إقامة تعاون معها بل لابتزاز دول الخليج المسكونة بالرعب من تحالف المحيطين بها.
الجانب المضيء من القمر يتمثل في أن ما يجري في اليمن هو فراغ قوة كلاسيكي يسهل التعامل معه خليجيا، وربما ساعد هذا الفراغ مجلس التعاون على أن يخلق من نفسه رقما صعبا في معادلة الأمن الإقليمي مع أهداف ضمنية أخرى، عبر التوجهات التدخلية الخليجية حسنة النوايا؛ لأننا -دون أن ينطوي ذلك على مبالغة- نملك الرؤية الوحيدة لكيفية إدارة التباين اليمني؛ لاحتفاظنا بأقوى ورقة على طاولة الأحداث، وهي المبادرة الخليجية التي من أعظم أصولها ومصادر قوتها الالتزام بالوقوف على نفس المسافة من كافة الأطراف.
التوجهات التدخلية الخليجية حسنة النوايا، هي لوقف جريان سيل الأطماع الخارجية والحيلولة دون ملئها المنخفضَ اليمني الجاف المتعطش لكل شيء. فهي لمنع البراغماتيين من أنصاف الملتحين الثوريين من رجال الباسدران الإيراني من التواصل مع المتمردين الحوثيين في مدينة صعدة شمال البلاد.
والدور الخليجي هو أيضا لمنع التشرذم والمُحاصَّة والنزعة الانفصالية التي ستخلق دولة تنزلق إلى الفوضى في تكرار مرعب للسيناريو العراقي. وقد تضطر دول مجلس التعاون لتحقيق ملء فراغ القوة عبر الاندماج مع خطة إنقاذ عربية تحت غطاء جامعة الدول العربية أو الأمم المتحدة، مع حذر من أن تكون امتدادا للنفوذ الغربي في المنطقة، حيث سيكون الذراع القوي لمجلس التعاون لتحقيق التوجهات التدخلية الخليجية الحسنة النوايا برنامجا للإنعاش الاقتصادي لإعادة تعمير ما دمره الفساد والفقر في اليمن طوال 33 عاما.