راجح الخوري
عندما اعطى رجب طيب اردوغان بعداً اقليمياً واسعاً لانتصار حزب العدالة والتنمية في الانتخابات، نزلت كلماته مثل quot;مطر اسودquot; على آذان الساهرين في طهران على توسيع آفاق النفوذ الفارسي في المنطقة. عملياً لم يكن الانتصار الشعبي الذي حققه الحزب، انتصاراً لفلسطين ولبنان ومصر وليبيا وسوريا والعرب، كما قال اردوغان، بل كان انتصاراً للنفوذ التركي المتزايد في المنطقة في اتجاه الجنوب. وهو ما يعيد التاريخ مئة عام الى الوراء. فها هي quot;السلطنةquot; تعود ولكن بصورة عصرية جذابة : مزيج من الاسلام السياسي المنفتح حليق الذقن وبرباط العنق، ومن الارث العلماني الاتاتوركي المتبقي في الثقافة العامة التركية.
واذا صح ان كلمات اردوغان هطلت مثل quot;مطر اسودquot; على ايران، فإنها قرعت بقوة الابواب الاوروبية المغلقة في وجه انقرة. ان كل هذا، على اهميته، مجرد تفصيل قياساً بقول اردوغان للعرب، وهم الآن في الثورات وعلى مفترقات التغيير: quot;ان تركيا ستكون نموذجاً يحتذىquot;، أي انه جعل الاسلام السياسي الذي يطبقه حزب العدالة والتنمية، والذي يتوافق مع شروط الدولة المدنية واتساع اطرها الى حدود العلمانية والتعدد، نموذجاً يحرج نظام quot;ولاية الفقيهquot; في ايران، كما يحرج quot;الاخوان المسلمينquot;،الذين دعوا في مصر الى إطلاق مليون لحية، في وقت يكمن التحدي في ايجاد ملايين الجنيهات لاطعام الناس لا في اطلاق ملايين اللحى!
واضح ان الاتراك طبقوا سياسة بارعة في اقتحامهم المسرح الاقليمي، الذي تحاول ايران منذ اعوام التحكم به. فقد اتخذوا مع البرازيل موقفاً يرضي طهران في المسألة النووية، وهو ما ساعدهم في لعب دور الوسيط الخلفي بين طهران والشركات الغربية الباحثة عن خزائن الدولارات في زمن العقوبات الدولية، وجاءت النتائج فوق التوقعات، عندما صعد الاقتصاد التركي الى المرتبة 16 عالمياً.
وفي حين تمادت ايران في صنع العداءات مع عدد من دول المنطقة، عقدت تركيا سلسلة من المصالحات البارعة مع ارمينيا وقبرص واكراد العراق و سوريا... ثم حصل ما هو اهم بكثير، أي الاقتحام السياسي المدوي، الذي بدأ في منتدى دافوس عام 2009، عندما اهان اردوغان شمعون بيريس امام العالم، بسبب المجازر الاسرائيلية في غزة. ثم جاءت قصة quot;اسطول الحريةquot; لتفتح العالم العربي على مصراعيه امام انقرة، وليبدأ التقاطع العكسي الحاد مع النفوذ الايراني فلسطينياً. حتى عندما ذهب اردوغان الى شمال لبنان، بدا وكأنه عكس السير مع محمود احمدي نجاد الذي ذهب جنوباً!
ان التقاطع العكسي المتصاعد بين ايران وتركيا يتركز الآن في سوريا، حيث تدعم طهران النظام والرئيس بشار الاسد، بينما تدعم انقرة المتظاهرين، ولا يتوانى اردوغان في ادانة ما سماه quot;القمع الوحشي للشعبquot; وتفشل زيارة مبعوث الاسد اللواء حسن توركماني الى انقرة في إبعاد علاقة البلدين عن حافة الهاوية... و المواجهة الايرانية - التركية تتجاوز سوريا لتشمل الاقليم العربي كله... لأنه مجرد ساحة مفتوحة!
التعليقات