أمجد عرار
الديمقراطية أشكال وأجناس، حتى إن العقل البشري لم يعثر خلال قرون عمله الذهني والسياسي، على الصالح منها . الديمقراطية الغربية هي سلاح طغمة احتكارات المال والسلاح، المحلية والعابرة للحدود . طغمة ونظام يمنحان مواطني البلدان التي تسمي نفسها ldquo;العالم الحرrdquo; أو ldquo;العالم الأولrdquo;، حرية الاختيار بين حزبين محتكرين، وشخصين محتكرين، وأحياناً ثالث ldquo;لزوم الديكورrdquo; . أما الديمقراطية المعدّة للتصدير من الماركة ذاتها، فتترافق فيها الدبّابة وصناديق الاقتراع لتولّد حكومات تشتغل بال ldquo;ريموت كونترولrdquo; .
الديمقراطية الاشتراكية في تجلياتها التطبيقية تجمّدت في ثلاجة النصوص المبرّدة، ومع كل جدلية فكرها المحرّك، وامتلاء رؤوس منظّريها بالأدمغة، ولم تعترف فعلياً بالتطور التاريخي وبالحركة المطلقة . نظّرت بأن السكون نسبي لكنّها سكّنت نفسها عند الصيغ الجامدة، وقادت نفسها للانكفاء لتهدي أعداءها ومناهضي الشعوب لوازم حرب التضليل، فانهارت هذه الديمقراطية مع حواملها السياسية والاقتصادية .
المجتمعات التي يهبط فيها الصراع الطبقي بتجلياته السياسية، يصعد الصراع العشائري والطائفي ليفرض صيغاً يستعصي فهمها على علم السياسة والاجتماع، لأننا نكون أمام وضع يلبس فيه زعماء ثوب السياسة ويفكّرون بلسان العشيرة والعائلة والطائفة، ففي أي علوم سياسية يندرج هذا ldquo;الكوكتيلrdquo;؟ . أحياناً يسمّونها ديمقراطية توافقية، لكن هذا التوافق قد يفرز نوعاً من الحكومات يستغرق تشكيلها أربعة أشهر أو خمسة، ثم يخرج وزير جديد ليقول بعد خمسة وستين عاماً من استقلال بلده: ldquo;أثبتنا أننا قادرون على حلّ أمورنا بأنفسناrdquo;، وهو يعرف أن بلده زوّد الأمريكيّتين، على سبيل المثال، بسياسيين في الصفوف الأولى .
ديمقراطية التوافق هي على وجه الدقّة ديمقراطية ldquo;الدلع السياسيrdquo;، ماذا نسميها إذاً عندما تستمر عملية توافق أكثر من أربعة أشهر ثم يستقيل وزير بعد ثلاث ساعات من إعلان الحكومة؟ يوافق أحدهم على المنصب الوزاري، وعندما يُطلب منه أن يشارك في عضوية لجنة لإنجاز مهمة، يعتذر ل ldquo;أسباب صحيةrdquo;، وكأني به يعتبر العمل الوزاري لا يحتاج إلى صحة جيّدة .
في ديمقراطية ldquo;الدلعrdquo;، عندما ترضى الطوائف والمذاهب، تغضب المدن وتشكو عدم التمثيل أو ضعفه . وفي هذا النوع من التوافق يحتاج بلد صغير إلى عدد وزراء يساوي ثلاثة أضعاف عدد أعضاء حكومة الهند، ويخرج الغاضبون من تشكيل الحكومة أكثر من الراضين .
في ديمقراطية التوافق وrdquo;الدلع السياسيrdquo;، ليس غريباً أن تخرج المعارضة ببيان يدين الحكومة بعد ساعات من تشكيلها، ويهاجم سياستها قبل أن يصدر بيانها الوزاري . وفي هذا النوع أيضاً تقرر المعارضة مقاطعة الحكم من حيث المبدأ، وعند التشكيل تتحدث عن حكومة لون واحد، وفي خلفية التبرير ldquo;إن شكّلنا نحن الحكومة تكون سياسية، وإن شكّلتم أنتم يجب أن تكون تكنوقراطrdquo; .
في حكومات التوافق وrdquo;الدلعrdquo;، لا يتورّع طرف عن تحريض الخارج علناً ضد طرف آخر . الغاية تبرر الوسيلة، وما دام البرنامج الفئوي والمصلحة الخاصة يتطلبان إفشال الآخر، فكل الوسائل ldquo;مشروعةrdquo; . كلمة الشعب في الخطابات تتردد ألف مرة، فيما التفكير به يحضر ربما مرّة أو مرتين في لحظة مرّة .
في هذا النوع الغريب من الديمقراطية، كل الذين يجمعون بين القتال على الحصص والحديث عن إلغاء الطائفية السياسية، طائفيون بامتياز . أولى خطوات الإلغاء، أن تسحب الكلمة من التداول سلباً وإيجاباً حتى ينساها الناس، وثانيها حصر الوطنية والخلق والكفاءة والاستحقاق، في سمة واحدة اسمها المواطنة، وليس أي شيء آخر .
التعليقات