عبدالعظيم محمود حنفي

طلبت الممثلة الاميركية الكبيرة فنا وانسانية انجلينا جولي زيارة مخيمات اللاجئين السوريين والسوريات في تركيا .هذا الخبر لا يجب ان يمر مرور الكرام بل يجب تفحصه والوقوف عنده . وهو دور المثقف في عصرنا الكوكبي المترابط . تقدم هذه الممثلة الاميركية الكبيرة درسا في كيفية تعاطي المثقف الملتزم مع القضايا الانسانية العالمية . لم تنعزل وتنطو وتتمتع بحياتها الرغدة وعيشها المترفة, بل تؤدي دورها من منطلق التعاضد الانساني العالمي واحترام حقوق الانسان الاساسية, والتي خلقه الله بها وهي حقه في الحياة والحرية والكرامة الانسانية, وفي العيش عيشة تليق بانسانيته وكرامته. ومن هنا كان حق الانسان في المطالبة بالحرية حق اصيل لكل انسان في العالم . فلماذا هجر هؤلاء السوريون أرضهم وارتضوا اللجوء بعد الهرب من ارضهم التي نشأوا فيها وترعرعوا بين ارجائها وتنسموا هواء بلادهم ومع ذلك هجروا تلك الارض والحياة والاستقرار لان هناك حاكما طاغية امتلا غرورا برأيه والأنفة عن قبول النصيحةquot; ويزعم أنه المعرفة و الحقيقة, ولا يرى في آراء الآخرين وأفكارهم وجها من وجوه الحقيقة, أو معنى من معاني الصحة, ولذلك لا يتعامل مع الآخرين إلا على أساس أنهم قاصرون يحتاجون إلى وصي أو عائل أو ولي أمر يقرر لهم, ويتصرف في شؤونهم تصرف الوصي في شأن المحجور عليه عقلا أو القاصر سنا,ولذا فطاغية سورية الذي جاء الى الحكم بطريقة غير شرعية خلافا لرغبة الامة وضد ارادة الامة لا يرى في سورية الا مزرعة وضيعة ورثها عن أبيه الطاغية, وان مواطني سورية ما هم الا مجموعة من العبيد المسلوبين الارادة, ومن ثم فمن حقه عليهم أن يهديهم سبيل الرشاد, ولا يريهم الا ما يرى, وما يراه ان استعباد الشعب السوري واذلالهم وافقارهم وحرمانهم من ابسط حقوقهم الانسانية هو حق له لا يجب منازعته.
ولما طال القهر والجور والذل خرج رجال احرار وشباب ثوار وحرائر طاهرات سوريات, لم يرتضن تلك الحياة البائسة, وطالب كل هؤلاء بالحرية والكرامة الانسانية ولكن الطاغية وزبانيته قابلوا كل تلك الدعوات السلمية بالنار والقناصة والبارود المنطلق من دبابات ومدرعات ومدافع وطائرات وزوارق تنطلق بلا رحمة الى صدور ورؤوس الرجال والشباب وحرائر سورية فلم يجدوا خيارا الا هجر الديار حفاظا على الارواح.
من هنا ثارت النفوس الطاهرة والضمائر الحية من كل انحاء العالم غضبا وتعاطفا وتعاضدا مع هؤلاء الاحرار والحرائر و حسرة وألما واستنكارا ورفضا لممارسات و عسف الطاغية السوري ضد شعبه الحضاري الذي لم يطالب الا بحقوقه التي تكفلها الشرائع السماوية, وعهود الانسان الدولية.
انجلينا جولي تمثل الضمير العالمي بصورته الرفيعة, فقد شاهدناها تناصر القيم الانسانية العليا وحق الشعوب في الحرية, ومن هنا تسافر الى تركيا لمساعدة وتعضيد حقوق السكان السوريين . انها نموذج للمثقف العضوي الذي وصفه غرامشي الايطالي بأروع صورة عبرالالتحام والتعاضد مع قضايا الانسان العادلة في كل مكان وزمان. انجلينا جولي تبرعت الاسبوع الماضي بمئات الالاف من الدولارات من أجل إعادة إعمار مدينة quot;جوبلينquot; الاميركية التي تعرضت لأعاصير مدمرة اخيرا. وقالت جولي: quot;قلوبنا مع الأسر التي خسرت الكثير جراء هذا الإعصار, سنساعد سكان المدينة لفترة طويلة حتى يتمكنوا من إعادة إعمار مدينتهم, وسنظل الى جانبهم, كتفا بكتف, ونأمل أن يساعدنا الكثير من أجل ذلكquot;. كتف بكتف ما اروع الكلمة وما اجمل المثقفة المملوءة بالانسانية المسكونة بقيمها . وهي فنانة بكل معنى الكلمة من التميز الفني والابداع الخلاق في تمثيلها . ومن الجانب الاخر يدهشنا موقف بعض الفنانات السوريات المغمورات القليلي الموهبة وكثيرات من هؤلاء الممثلات فرضن فرضا من قبل اجهزة الدولة الامنية, فهن عميلات لاجهزة الامن, وبعضهن لا يملكن من امرهن شيئا لانهن بفسادهن وفرن العديد من الفضائح لهن مما جعلهن مادة للابتزاز من قبل تلك الاجهزة الامنية, كما ان بعضهن لا يمتلك اي موهبة الا فن التجسس والعمالة لنظام فاسد وقائد طاغية . ومن هنا أحيي الفنانة المبدعة quot;أصالةquot; التي لا يختلف اثنان على موهبتها وصوتها الاخاذ واغانيها الجميلة, في حين ان ممثلة سورية مثل سلاف فواخرجي تعلن انها تؤيد الاسد رغم الاقرار بفساد حكمه! وأترك للقارئ استنتاج هذا الموقف المتخاذل, فهي تقر بفساد طاغيتها ومع ذلك تؤيده وتقر ببطشه وقتله لشعبه, ومع ذلك تؤيده ولو اباد كل شعبه وابقى كل تلك الاشلاء من بقايا انسانية فانها ستؤيده لانها لم تكن لتوجد لولا النظام الذي اضعف المجتمع واقام دولة امنية متوغلة في كل ثنايا المجتمع , فعندما تكون الدولة أو نظام الحكم متغلغلا في المجتمع تكون آثار الاستبداد ونتائجه غاية في السلبية والتدمير على السوريين. وهذه هي حال الممثلة السورية المفروضة على سماء الفن السوري المسموم .ومن هنا فان التخلص من هذا النظام ضرورة لا غنى عنها .