Steven Metz

The New Republic


ترتكز الاستراتيجية الراهنة لسحب القوات الأميركية من أفغانستان على افتراضات تفتقر إلى الوضوحhellip; إذ يجب أن تدرك الولايات المتحدة أن هناك طرقاً أخرى لمنع أفغانستان من توفير قاعدة للإرهابيين الدوليين، فضلاً عن محاولة تحويل الواقع إلى وضع غير مسبوق وغير ممكن مستقبلاً.
يحتدم الجدل الآن مع اقتراب تاريخ بدء انسحاب القوات العسكرية من أفغانستان بعد طول انتظار، إذ يحث عدد من الديمقراطيين على تطبيق انسحاب واسع النطاق، بينما يحذر معظم الجمهوريين والقادة العسكريين الأميركيين من أن خطوة مماثلة ستعرض المكاسب المحققة أخيراً للخطر. كذلك، حذر وزير الدفاع المنتهية ولايته روبرت غيتس من أن الولايات المتحدة يجب ألا تبالغ في تطبيق خطة الانسحاب، فقال خلال زيارته الأخيرة لأفغانستان: ldquo;لقد أحرزنا تقدماً مهماً، لكن لا يزال أمامنا الكثير لتحقيقهrdquo;.
لكن هذا الجدل يغفل عن النقطة الرئيسية، وهي أن القضية الأساسية لا تتعلق بوتيرة الانسحاب العسكري الأميركي من أفغانستان أو نطاقه، بل بطبيعة الاستراتيجية الأميركية الجوهرية. في نهاية المطاف، سيؤدي الهوس الراهن بعدد القوات التي يجب سحبها إلى التعتيم على الواقع بدلا من الكشف عنه، ما يؤجل عملية إعادة تقييم الاستراتيجية المتّبعة- وهو عامل ضروري جداً- وتحديداً تقييم الافتراضات الخاطئة التي ترتكز إليها.
أولاً، افترضت الاستراتيجية الأميركية أن حركة ldquo;طالبانrdquo; ستستعيد السيطرة على الحكم في ظل غياب الوجود العسكري الأميركي وقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو). غير أن هذه الفرضية تحتاج إلى تقييم دقيق. وصلت ldquo;طالبانrdquo; إلى الحكم عام 1996 لأن أسياد الحرب الذين وقفوا في وجهها لم يحظوا بدعم خارجي واسع، والأهم من ذلك هو أن الأفغان لم يفهموا معنى أن تحكمهم ldquo;طالبانrdquo;، لذا لم يبذلوا الكثير لمقاومتها. كانت ldquo;طالبانrdquo; تُعتبر خياراً أفضل من انتشار العنف والفوضى في ظل حكم أسياد الحرب، لكن الأفغان ليسوا أغبياء، فهم يدركون الآن ما معنى أن تحكمهم ldquo;طالبانrdquo;. حتى من دون أي وجود عسكري خارجي هائل، سيقاوم الأفغان حركة ldquo;طالبانrdquo; حتماً. نتيجةً لذلك، قد تستطيع ldquo;طالبانrdquo; فرض سيطرتها على أجزاء محدودة من أفغانستان، وتحديداً المناطق الجنوبية التي تخضع لسلطة قبيلة البشتون، ولكنها لن تتمكن مطلقاً من استعادة سيطرتها على نطاق واسع كما في السابق، حين كانت تحكم البلد كلها باستثناء أقصى الشمال.
ثانياً، افترضت الاستراتيجية الأميركية أن نجاح ldquo;طالبانrdquo; في استعادة السيطرة على جميع أنحاء أفغانستان أو أجزاء منها سيؤدي إلى منح ldquo;القاعدةrdquo; مراكز ومخابئ ستستعملها للاعتداء على الولايات المتحدة. غالباً ما تتردد هذه الفكرة، لكن نادراً ما يتم التشكيك فيها. في مقالة نشرت حديثاً في صحيفة ldquo;وول ستريت جورنالrdquo;، حذر كلٌّ من كيمبرلي وفريديريك كايغن من تطبيق أي انسحاب سريع للقوات العسكرية الأميركية من أفغانستان لأنه سيقود إلى اعتداءات محتملة على أرض الولايات المتحدة. لكن لن يحصل ذلك إلا إذا كانت حركة ldquo;طالبانrdquo; غبية بالفعل. قبل أحداث 11 سبتمبر، سمحت ldquo;طالبانrdquo; للقاعدة بالتدرب والتخطيط في أفغانستان لأنها كانت تجهل نوايا الأميركيين وحجم نفوذهم. فكان قادة ldquo;طالبانrdquo; يظنون أن الولايات المتحدة لن تتدخل مطلقاً في أفغانستان، ولكنهم يدركون الواقع الآن. فإذا عادت ldquo;طالبانrdquo; إلى السلطة بطريقةٍ ما، فستواجه ما يكفي من الأعداء من دون أن يستلزم الأمر أي تدخل أميركي جديد في حال منحت ldquo;القاعدةrdquo; حرية التصرف.
ثالثاً، افترضت الاستراتيجية الأميركية أيضاً أن فرض سيطرة ldquo;طالبانrdquo; على جميع أنحاء أفغانستان أو جزء منها وإقدامها على منح ldquo;القاعدةrdquo; مخبأً آمناً سيؤدي إلى تنامي التهديدات في وجه الولايات المتحدة، لكن هذا التحليل يغفل مجدداً عن المعطيات التاريخية. كانت ldquo;القاعدةrdquo; تستطيع التخطيط للأعمال الإرهابية انطلاقاً من أفغانستان قبل 11 سبتمبر لأن الولايات المتحدة لم تكن تدرك حجم التهديد الذي تواجهه. لو أدركت الولايات المتحدة ما كان ينتظرها، لعطلت مراكز ldquo;القاعدةrdquo; في أفغانستان، حتى من دون تنفيذ غزو شامل. وحتى إذا تمكنت ldquo;القاعدةrdquo; بطريقةٍ ما من استعادة مخبئها الأفغاني الذي كانت تحتله قبل أحداث 11 سبتمبر، فستسارع الولايات المتحدة إلى تدميره عبر استعمال القوة الجوية والعمليات الخاصة، وحتى الاعتداءات البرية لفترة محدودة إذا دعت الحاجة.
أخيراً، افترضت الاستراتيجية الأميركية أن ldquo;طالبانrdquo; ستتعب في مرحلة معينة من الصراع وستستسلم، لكن هذا التوقع هو ضرب من الخيال. فقد اكتسبت ldquo;طالبانrdquo; وغيرها من قوى المعارضة نفوذاً كبيراً وأموالاً طائلة بفضل استمرار الصراع، وبالتالي، فإنها لن تعمل مطلقاً على عقد السلام.
باختصار، ترتكز الاستراتيجية الأميركية الراهنة على افتراضات تفتقر إلى الوضوح. يجب أن تدرك الولايات المتحدة أن هناك طرقا أخرى لمنع أفغانستان من توفير قاعدة للإرهابيين الدوليين، فضلاً عن محاولة تحويل الواقع إلى وضع غير مسبوق وغير ممكن مستقبلاً. إنها قضايا كبرى وبالغة الأهمية. أما الجدل بشأن وتيرة الانسحاب العسكري الأميركي ونطاقه، فلن يساعد في معالجة هذه القضايا.


* مؤلف كتاب ldquo;العراق وتطور الاستراتيجية الأميركيةrdquo; (Iraq and the Evolution of American Strategy).