توفيق المديني

منذ أربعة أشهر، تاريخ انطلاقة حركة الاحتجاجات الشبابية الشعبية السلمية المطالبة بإسقاط نظام علي عبد الله صالح الحاكم في اليمن منذ 33 عاماً، ما انفك الصراع بين هذا الأخير والشعب والمعارضة اليمنيين، يأخذ أبعاداً خطيرة، في ظل لجوء صالح إلى العنف والقمع الأعمى من أجل القضاء على الثورة الشعبية. بيد أنه ومنذ 23 آيار الماضي، تفجرت المعارك الدامية داخل العاصمة اليمنية صنعاء بين الشيخ صادق الأحمر زعيم قبيلة حاشد، والقوات الموالية لنظام علي صالح، واستخدمت فيها كل أنواع الأسلحة الثقيلة، إلى درجة أن معظم المحللين الذين يتابعون الشأن اليمني، باتوا يتخوفون من أن تغرق حكومة علي صالح البلاد في الحرب الأهلية.
وبصرف النظرعن حالة الرئيس علي صالح الصحية، فإن الإشكالية التي يواجهها اليمن في الوقت الحاضر، تكمن في أنه يعيش مرحلة من ازدواجية السلطة. فالرئيس علي صالح لم يرحل نهائياً عن السلطة حتى يقال أن اليمن بصدد تجسيد القطيعة الراديكالية مع نظامه الديكتاتوري، إذ بات بعض المسؤولين يتحدثون عن عودته إلى صنعاء خلال الفترة القادمة. وبالمقابل، فإن استلام نائبه عبدربه منصور هادي لا يعني أنه أصبح قادراً على إدارة هذه المرحلة الانتقالية الدقيقة التي يمر بها اليمن نحو الانتقال السلمي للسلطة، وبالتالي نحو بناء نظام ديمقراطي جديد يلبي الطموحات الحقيقية للشعب اليمني، ذلك أن نائب الرئيس يصطدم بمراكز القوى الأمنية والعسكرية التي يقودها أبناء الرئيس وأبناء إخوته، الذين يرفضون الاعتراف بأن علي صالح أصبح خارج المشهد السياسي اليمني.
ويرى علي العمراني الناطق باسم الائتلاف البرلماني من أجل التغيير -وهو ائتلاف شُكل اخيراً من النواب المستقلين ونواب المعارضة والمستقيلين من الحزب الحاكم- أنه لا يوجد حاكم حقيقي في البلد، فالسلطة وفق رأيه ضائعة من أيدي الجميع، فهي ليست بيد الرئيس ولا بيد الثوار ولا بيد نائب الرئيس ولا بيد المعارضة ولا بيد أبناء الرئيس وليست بيد أحد.وأشار إلى أن جهود جميع قوى المعارضة الآن تتركز على إيجاد حاكم جديد ذي صلاحيات يستطيع تسيير شؤون البلاد خلال الفترة الانتقالية، مؤكداً على ضرورة أن يبدأ نائب الرئيس في ممارسة صلاحياته في تسيير شؤون البلاد دون عرقلة من أحد.
تبدو عملية الانتقال السلمي والهادئ للسلطة في اليمن مسألة معقدة، نظراً للعوامل الآتية:
أولاً: في ظل الفراغ السياسي والدستوري الذي يعاني منه اليمن بعد إصابة الرئيس وكل من رئيسي مجلس الوزراء والنواب، يمكن أن تتم عملية التحول الديمقراطي بصورة منظمة، لإنقاذ هذا البلد العربي من الفوضى، ووقف انزلاقه نحو الحرب الأهلية، شريطة عدم عودة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح إلى اليمن، وعدم قيام أبنائه أو أقاربه بالتحريض أو أعمال استفزازية يمكن أن تدفع اليمن نحو الحرب الشاملة.
ثانياً: في هذه المرحلة الدقيقة يعاني المشهد السياسي اليمني من الارتباك، بسبب عدم قدرة المعارضة اليمنية ممثلة باللقاء المشترك عن طرح حل للأزمة اليمنية في إطار من الواقعية السياسية رغم أنها وقعت على المبادرة الخليجية لحل الأزمة اليمنية. وفضلاً عن ذلك، هناك شباب الثورة برؤاهم الثورية الراديكالية الذين يطرحون تشكيل مجلس انتقالي لاستلام السلطة في اليمن، معتبرين أن اليمن قد دخل في مرحلة جديدة تتطلب طي صفحة حقبة علي عبد الله صالح. ولا يبدو أن شباب الثورة السلميين قادرون على حسم موضوع السلطة، نظرا لعدم تكاتف الجهود بينهم وبين القوى المؤيدة للثورة من شباب وأحزاب وعسكر وقبائل.
ثالثاُ: إن الوضع في اليمن بالغ التعقيد بسبب تداخل مجموعة من العوامل المؤثرة فيه، منها الاعتبارات القبلية ودور المؤسسة العسكرية والدول المجاورة والقوى الدولية، التي تولي اليمن اهتماماً خاصاً، نظراً للأهمية الإستراتيجية التي تتمتع بها اليمن كدولة مطلة على واحد من أهم ممرات نقل البترول في العالم المعاصر، مع ملاحظة أن الولايات المتحدة، تعد اليمن دائما كمصدر للأزمات الأمنية والسياسية في منطقة الشرق الأوسط، فضلا عن الرؤية الأخرى التي تثيرها وسائل الإعلام باعتبار أن اليمن تحولت حاليا، إلى واحدة من أخطرالدول، نظراً لتمركز عناصر من تنظيم القاعدة بها.
ويرى المحللون العرب، أن الحل الواقعي للأزمة اليمنية يكمن في الدور الذي يمكن للمملكة العربية السعودية أن تلعبه في اليمن، فهي ذات نفوذ كبير جداً في هذا البلد، ومسألة استقرار اليمن جزء من الامن الوطني للمملكة، نظراً لطول الحدود المشتركة بين البلدين التي تصل إلى نحو 1800 كيلومتر. فإذا لم تمارس المملكة العربية السعودية نفوذها على الرئيس علي عبد الله صالح وتطرح البديل للمبادرة الخليجية بعد ان رفضها صالح، يمكن أن يتجه اليمن نحو حرب أهلية، كما حدث في لبنان من 1975 حتى 1990، وكأي حرب أهلية ستكون لها تداعيات خطيرة، منها تحول اليمن إلى صومال جديدة، وانفصال اليمن الجنوبي . وليس للمملكة العربية السعودية أية مصلحة في تفكك اليمن، أو في تحوله إلى حرب أهلية.
رابعاً: إضافة إلى تعقيدات الأزمة السياسية التي يعاني منها اليمن، هناك الأزمة الاقتصادية وفي طليعتها النقص في المياه، إذ أنه منذ بدء الأزمة السياسية في كانون الثاني 2011 فإن ثمن المياه ارتفع 5 مرات في بعض المناطق و10 مرات في أخرى. وقال خبراء في البنك الدولي إن المنطقة المحيطة بالعاصمة صنعاء هي بشكل خاص جافة، وقد تصبح أول عاصمة نافدة من المياه. وقد قدر وزير التجارة والصناعة اليمني الأسبوع الماضي بأن الأزمة التي يشهدها اليمن كلفت الاقتصاد الوطني 5 مليارات دولار أو قرابة 17% من الناتج المحلي الإجمالي للعام 2009. ويقول اقتصاديون إن 15% إضافية من عدد سكان اليمن البالغ 23 مليون شخص سيكونون تحت خط الفقر، ويعيشون بأقل من دولارين في اليوم. ويقدر حالياً أن بين %40 و50% من اليمنيين يعيشون تحت خط الفقر.