خطاب الرئيس بشار

داود الشريان
الحياة
كثير من الأنظمة العربية يُفقِد خطابات زعيمه الأهمية، بالحديث المسبق عنها، ورفع سقف توقعات الناس. هذا حدث امس، مع خطاب الرئيس بشار الأسد، وهو خلا من الإشارة الى خطوات محددة، وعاجلة لمعالجة الأحداث التي تشهدها المدن السورية، رغم انه تضمن اعترافاً بالتقصير، وبسوء تعامل أجهزة الأمن مع المحتجين، وطرح إمكانية تعديل الدستور، بما فيه المادة الثامنة التي تمكّن حزب البعث العربي الاشتراكي من احتكار الحكم وإدارة الدولة، فضلاً عن ان الخطاب أُلقي بطريقة هادئة، وودية في معظم الأحيان.
لكن الخطاب دعا الى محاسبة من تسبب في إراقة الدماء، من دون تفصيل يشير الى ان ذلك يشمل الأجهزة الأمنية التي مارست العنف المفرط ضد المواطنين، مثلما يطاول من رفع السلاح ضد الدولة، فجاءت الدعوة في سياق التهديد، وتسويغ تجاوزات تلك الأجهزة. وهو تحدث عن الإصلاح السياسي في شكل تكرر في السابق، وبطريقة فضفاضة لا تحتملها الظروف، ومن دون ربط قضية الإصلاح بمطالب الجماهير الغاضبة، ولم يكن مرناً في التعامل مع الذين خرجوا في التظاهرات، فضلاً عن انه ربط الخروج من الأزمة بالحوار واللجان، رغم ان البلد يعيش حال حرب، ويحتاج تحركاً سريعاً وحاسماً، فبدا الخطاب كأنه محاولة للتهدئة، وشراء الوقت بوعود غير مضمونة.
المتأمل لخطاب الرئيس السوري يكتشف انه مدرك تماماً المشاكل التي يعانيها النظام، وهو يعرف الحلول، ولكن ربما لمس المستمع ان الرئيس تحدث في بعض فقرات الخطاب عن امور لا يملك هو قرارها بمفرده، وبدا في بعض الأمور كمراقب، اكثر من كونه رئيساً، لكن هذا لم يسعفه في كسب تعاطف، او خلق حال سياسية جديدة تحتاجها سورية.
خطاب الأمس هو الخطاب الثالث للرئيس بشار الأسد منذ بدء الاحتجاجات، وبمقارنة خطابه الأخير بالخطابين السابقين نجد ان النظام في دمشق يقلل خطورة التطورات، وخطواتها المتشعبة والمتسارعة. وهو لم يحاول كسب المحتجين ولو بالحد الأدنى، فضلاً عن عدم اكتراثه بمواقف تركيا وإسرائيل والدول الغربية.
الرئيس تمنى في خطابه ان يعود الجيش الى ثكنه قريباً، ولكن يبدو ان هذه الأمنية ستبقى كذلك لوقت طويل.
خطاب الاسد الثالث
عبد الباري عطوان
القدس العربي
بين خطاب الرئيس بشار الاسد الذي ألقاه في مجلس الشعب، وخطابه الذي القاه امس على مدرج جامعة دمشق فترة زمنية تمتد الى شهرين سقط خلالها 1500 شهيد، وآلاف الجرحى، وهروب اكثر من عشرة آلاف مواطن سوري الى الجانب الآخر من الحدود التركية للنجاة بارواحهم.
ما يمكن استخلاصه، وللوهلة الاولى، ان الحلول الامنية التي اتبعتها السلطات السورية في قتل المحتجين او اكبر عدد منهم، للسيطرة على الاوضاع، لم تحقق اهدافها، بل اعطت نتائج عكسية تماما، من حيث اتساع دائرة الاحتجاجات، ومشاركة اعداد اكبر فيها جمعة بعد جمعة.
خطاب الرئيس بشار الاسد الذي انتظرناه طويلا ومعنا كل السوريين وبعض العرب، لم يقدم جديدا ملموسا، او بالاحرى 'خريطة طريق' للخروج من المأزق الدموي الراهن الذي تعيش فصوله البلاد جمعة بعد اخرى، وكل ما تضمنه مجموعة جديدة من الوعود بالاصلاح، وحديث مطول عن المؤامرة.
الرئيس بشار حصر الازمة في مجموعة صغيرة من المخربين، وحملهم مسؤولية ما يحدث من اعمال عنف وصدامات مع قوات الامن وحرق المباني والمؤسسات العامة، وهذا تبسيط من الصعب ان يقنع غالبية الشعب التي تتابع ما يجري في بلادها بالصوت والصورة عبر الفضائيات العربية والاجنبية بأدق التفاصيل.
منذ بداية الازمة، قبل اربعة شهور، والرئيس بشار يتحدث عن تشكيل لجان، واحدة لتعديل الدستور، وثانية لوضع قانون للانتخابات، وثالثة للاعلام، ورابعة لمكافحة الفساد، وجميع هذه اللجان ما زالت تعمل، وتدرس، وتمحص، ولم نر النتائج على الارض حتى الآن.
مكافحة الفساد لا تحتاج الى لجنة، فرموز الفساد معروفة للرئيس بشار مثلما هي معروفة لاصغر طفل في سورية، فاذا كانت هناك نوايا فعلا لمحاسبتها، فان الامر لا يستغرق ساعات، فمثلما تعطى الاوامر للاجهزة الامنية باطلاق النار على المتظاهرين، ويتم التنفيذ فورا، يمكن ان تقوم بالشيء نفسه لاعتقال الفاسدين وتقديمهم الى محاكم عادلة مثلما شاهدنا ما حدث لنظرائهم في تونس ومصر.
الفساد موجود في بطانة الحكم السوري، مثلما كان موجودا في بطانة الحكم المصري، والشعب في سورية لا يمكن ان يصدق اي وعود بمحاربة الفساد الا عندما يرى رموزه خلف القضبان، ولا نعتقد ان مثل هذا الامر بات وشيكا في سورية. والدليل على ذلك ان السيد رامي مخلوف احد رموز الفساد والمحسوبية في سورية انتقل برمشة عين من كونه حوتا كبيرا يسيطر على مفاصل البزنس في سورية (60 ' من حجم الاعمال والشركات) بدعم من النظام، الى فاعل خير، يكرس ما تبقى من حياته للاعمال الخيرية.
' ' '
نصدق السيد مخلوف لو انه اعلن التبرع بالمليارات التي جناها على مدى السنوات العشر الماضية (عمره 41 عاما) الى الشعب السوري، ومشاريع توفير الوظائف لملايين العاطلين من اعماله، ومكافحة الفقر في الريف، تماما مثلما فعل بيل غيتس الملياردير الامريكي الذي كون ثروته بطرق مشروعة، وتبرع بثلاثين مليار دولار (اكثر من نصفها) لفقراء العالم الثالث، والشيء نفسه فعله ابن جلدته الملياردير الآخر وارين بافيت.
الشعب السوري لا يريد تخفيض اسعار المازوت ومواد البناء، وانما ديمقراطية ومحاسبة وعدالة اجتماعية، وانهاء كل انواع التمييز في الوظائف والمراكز، والمشاركة في تقرير مصيره من خلال مؤسسات منتخبة، واعلام حر، وخدمات تعليمية وصحية ترتقي الى الحد الادنى من المواصفات المتبعة ليس في العالم المتقدم فحسب وانما حتى في دول في العالم الثالث.
من يريد اصدار قانون للاعلام يؤسس لمرحلة جديدة من المهنية والحريات التعبيرية، يبادر فوراً لادخال اصلاحات في المؤسسات الاعلامية الحالية لتأكيد نواياه في هذا الصدد، وخاصة في محطات الاذاعة والتلفزة، ولا نرى اي مؤشر يوحي بتغييرات حقيقية مقنعة في هذا المضمار.
الرئيس بشار يقول في خطابه انه لا حل مع اناس يحملون السلاح، هذا كلام جميل، دعونا نقلب الآية ونقول ان الشعب قد لا يقبل الحوار مع من يطلقون عليه النار ويقتلون العشرات من ابنائه كل اسبوع، الامر الذي يجعلنا ندخل في دوامة من العنف يصعب بل يستحيل الخروج منها.
الحوار حتى ينجح يجب ان يسبقه قرار او هدنة من السلطة السورية، يتوقف خلالها اطلاق النار لمدة اسبوع او اسبوعين، لتوفير المناخات اللازمة، واعادة بعض الثقة، واعطاء المقابر اجازة من الجنازات شبه اليومية، في اكثر من مدينة او قرية على طول سورية وعرضها.
' ' '
توقفت كثيراً عند اعتراف الرئيس الاسد بان الازمة يمكن ان تمتد شهوراً او سنوات، ولذلك يجب ان يعمل الشعب على اعادة الامور الى وضعها الطبيعي، هذا الاعتراف، او هذه النبوءة، تعني ان الاصلاحات الموعودة ستتباطأ وقد تؤجل، وان اللجوء للحلول الامنية سيستمر، فالانتفاضة بدأت بسبب القمع الامني، وانتهاك حقوق الانسان، واهدار كرامته، واللجوء الى القوة لتركيع كل محتج باعتباره مخرباً وخارجاً عن النظام والقانون.
وتوقفت اكثر عند تساؤلات كثيرة طرحها الرئيس بشار في الخطاب، ابرزها دوره ومساهمته كفرد، وطبيعة النموذج الاقتصادي الذي يجب ان تتبناه سورية، اشتراكياً كان او رأسمالياً، فهل يعقل ان سورية حتى هذه اللحظة لا تعرف النظام الاقتصادي الذي يصلح لها، وهي التي تمتلك العقول الكبيرة في الوطن والمهجر، ثم من المسؤول عن هذا القصور؟
في الغرب يقيسون مدى أهمية اي خطاب للمسؤولين الكبار، وخاصة من يتربعون على قمة الهرم، بمعيار 'القيمة الاخبارية' ، واعترف انني كصحافي بحثت عن هذه القيمة الاخبارية في خطاب الرئيس بشار الثالث فلم أجد الا القليل، وهذا في رأيي مسؤولية من وضعوا النص وخيبوا آمال الكثيرين الذين كانوا ينتظرونه، ونحن منهم.
اعترف بانني شخصياً شعرت بالاهانة عندما شاهدت السيد رجب طيب أردوغان يرسل كتاباً الى الرئيس بشار ليستخرج من ثناياه مخرجاً من الازمة، وبلغت الاهانة ذروتها عندما سمعت السيد أردوغان يمهله اسبوعاً لتطبيق الاصلاحات مهدداً ومتوعداً في حال عدم التنفيذ. ولعل الرئيس بشار كان يرد عليه عندما قال انه لا ينتظر دروساً من احد بل سيعطي دروساً للآخرين.
لا نعرف طبيعة الدروس التي ستعطى للآخرين، هل هي تلك التي تمارسها اجهزة الامن في التصدي لمحتجين لا يملكون غير الحناجر واللافتات التي تهتف بالاصلاح، ام في التحجر الاقتصادي، واستفحال الفساد والمحسوبية باعتراف الرئيس بشار نفسه.
أردوغان يعطي الدروس ليس فقط للرئيس بشار وانما لجميع القادة العرب دون استثناء، لانه قدم نموذجاً فريداً في الديمقراطية والاصلاحات السياسية عبر صناديق الاقتراع، وفاز بثلاث ولايات متتالية بسبب نقله تركيا وفي اقل من عشر سنوات من كونها دولة متخلفة مدينة فاسدة منهارة اقتصادياً الى سادس اقوى اقتصاد في اوروبا، والسادس عشر على مستوى العالم وبنسبة نمو تصل الى ثمانية في المئة سنوياً.
عندما يحقق الرئيس بشار او اي زعيم عربي آخر هذه الانجازات او نصفها فاننا والآخرين على استعداد لتلقي الدروس منه مرفوقة بالشكر والامتنان اما قبل ذلك فلا وألف لا.
خطاب الأسد متأخر جداً
عدنان حسين
المدى
منحت الانتفاضة السورية الرئيس بشار الأسد فرصة ذهبية للاعتبار بتجارب الأنظمة العربية الأخرى التي واجهت انتفاضات مماثلة، ولتدبر الأمور في بلاده وتجنب السير في طريق مسدودة بالنسبة له مثلما يجري الآن، لكنه (الأسد) فوّت على نفسه هذه الفرصة كما ضيع حكّام آخرون فرصة التغيير والإصلاح في أوانها.
سوريا كانت مؤهلة للانتفاضة بعد تونس أو مصر، لكن الحدث الذي أشعل شرارة الانتفاضة (في درعا) تأخر إلى ما بعد انطلاق أحداث الانتفاضة في كل من اليمن وليبيا اللتين أخذت الأحداث فيهما منحى دموياً، وهذا بالذات ما كان على الرئيس السوري أن يخشى وقوعه في بلاده ويسعى إلى تفاديه فور اندلاع أحداث درعا، خصوصاً وانه لاحظ أن تعويل معمر القذافي على القوة في قمع الانتفاضة الليبية أعطى نتيجة معاكسة تماماً.
الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأسد أمس كان سيصنع تغييراً كبيراً لو كان قد وجّهه قبل ثلاثة أشهر بدلاً من ذلك الخطاب الذي ألقاه أمام مجلس الشعب بعد أيام من اندلاع أحداث درعا وبدا فيه بطيء التفاعل والتجاوب مع الأحداث.
في غضون ثلاثة أشهر سالت دماء غزيرة وأُزهقت أرواح كثيرة من جنوب سوريا إلى شمالها ومن شرقها إلى غربها، وهذا له ثمنه بالطبع، وما قدّمه الرئيس السوري أمس يبدو قليل القيمة بالمقارنة مع كم الدماء والأرواح المهدورة طوال هذه الفترة، فما زالت خطوات الإصلاح والتغيير في عهدة الزمن فيما أوضاع بلاده تنتظر لتعديل مسارها قرارات وإجراءات فورية لا تتأخر حتى مجرد ساعات.
راهن الرئيس بشار الأسد، في ما يبدو، على عامل الزمن للسيطرة على الأوضاع، لكن هذا الرهان لم ينفع زين العابدين بن علي وحسني مبارك وعلي صالح محمد ومعمر القذافي من قبل، وهذا ما كان على الرئيس الأسد أن يدركه منذ البداية لكي يتفادى أن يصل إلى مرحلة يتعيّن عليه معها أن يدفع ثمناً باهظاً للغاية بالنسبة له ولنظامه. فالانتفاضة تواصلت بقوة متزايدة وحافظت على زخم متصاعد برغم القمع الوحشي لها، ولم يعد الحل الأمني ممكنا باعتراف الرئيس الأسد في خطابه الأخير، والحل السياسي نفسه لم يعد يحتمل التأجيل والتسويف.
أمس وعد الرئيس السوري شعبه بان حزمة الإجراءات التي أعلن عنها ستجعل من بلاده مثالاً يُقتدى به وتجربةً ينقلها الآخرون إليهم، لكنّ هذا كان يتطلب أن يعتبر الرئيس الأسد بتجارب غيره الذين عاندوا أيضاً ففقدوا سلطتهم أو هم على وشك فقدانها.