زينب حفني
إحياء الفكر المستنير
الاتحاد الأمارارتية
بعيداً عن الطبول المهللة لقدوم quot;ربيع الثوراتquot; العربية من جهة، والأخرى التي تنظر بعيون جزعة من جهة مُعاكسة للثورات القائمة على أنها مؤامرات أحيكت بمهارة بأيادٍ غربية! إلا أن السؤال الذي يفرض نفسه في هذه الظروف الحرجة التي يمر بها عالمنا العربي: ما الحلول الجذرية التي يجب وضعها كي تتقبّل مجتمعاتنا برحابة صدر التنوّع المذهبي والطائفي دون أن تقوم بتكفير الآخر أو اتهامه بالخيانة العظمى أو الولاء لبلدان أخرى؟!
بعد ثورة يناير حدثت كثير من التغييرات في مصر، وكان من ضمنها مطالبة quot;المجلس الأعلى لرعاية آل البيتquot; الأزهر من منطلق مكانته الدينية الرفيعة في العالمين العربي والإسلامي، بوجوب تدريس فقه آل البيت فيه، بعد أن تمّ تجاهله سنوات طويلة بسبب المد الديني السلفي، الذي تغلغل في المجتمع المصري.
ليس جديداً فكرة التصدّي للمشروع السلفي الذي غزا المجتمعات العربية المعروفة باعتدالها الفكري في العصور السابقة! وقد بدا ذلك جليّاً مع شيوع ظاهرة تكفير الآخر وارتفاع نبرة العنصرية الطائفية والمذهبية في هذه المجتمعات، التي أصبحت هي الأخرى أرضاً خصبة للتعصّب الديني، مما حذا بمفكريها المتنورين وشيوخها المعتدلين إلى الوقوف صفّاً واحداً أمام هذا الفكر المتطرّف، والمناداة بوجوب وضع صيغ فكرية تحث على التقارب بين الأديان والطوائف والمذاهب، حفاظاً على وحدة الأوطان خاصة تلك التي يقوم نسيجها الاجتماعي على التعددية الطائفية والمذهبية والعقائدية.
السعودية كذلك حاولت في السنوات الأخيرة تقليص الخلافات الحاصلة بين مواطنيها من السُنة والشيعة، بإقامة حوار وطني دوري، ومن خلال تشريع نوافذ وسائل الإعلام عن آخرها لمناقشة هذا النوع من القضايا الشائكة، وكلها في رأيي حلول سطحية ورؤى ضيقة الأفق لن تُساهم في معالجتها على المدى البعيد! وأن الطريق الأمثل من وجهة نظري لاحتواء هذه المشكلة، يكمن في بناء عقول الأجيال القادمة على الفكر المستنير من خلال النهل من روافد تعليمية جديدة يقوم بوضع مضامينها شيوخ وتربويون متنورون تحترم عقولهم التنوّع الفكري والتباين العقائدي والاختلاف المذهبي.
فمن المعروف أن أصحاب الفكر السلفي المتشدد أو الفكر الوهابي كما يُطلقون عليهم داخل السعودية، يتبعون مذهب ابن حنبل، ويؤمنون بأفكار ابن تيمية، ويستبعدون المذهب الحنفي والمالكي والشافعي وفقه الشيعة وسائر المذاهب الفقهية الأخرى، ولا يأخذ القضاة إلا به عند إصدار أحكامهم في ساحة القضاء!
عندما كنتُ أدرسُ في جامعة الملك عبد العزيز، لفت انتباهي أن المواد التي كنّا نتعلمها في قسم دراسات إسلامية تتعمّق فقط في دراسة المذهب الحنبلي، وعندما سألتُ الأستاذ الذي كان يقوم بتدريسنا عن المذاهب الأخرى! أجابني بأن لا اعتبار حقيقي للمذاهب الأخرى في المناهج التعليمية داخل السعودية!
المفكر المصري طارق حجّي في كتابه (سجون العقل العربي) يقول بأن العقل العربي المعاصر أسير لثلاثة عوامل ساهمت في إبقائه خلف القضبان: أولها فهمه البدائي للدين، وثانيها تعلقه بموروثاته ومفاهيمه الثقافية القائمة على تجربته التاريخية، وثالثها فزعه من الحداثة المعاصرة بحجة الخوف على خصائصه الثقافية من الاختفاء أو التغريب!
كل مجتمعات الدنيا تقوم على التنوّع الفكري والاختلاف العقائدي، لذا فقد حان الوقت لفتح الأبواب أمام كافة المدارس الفقهية والمذهبيّة، لأن تكون ضمن مناهجنا الدينية، وإلا فإننا سنساهم بقصد أو من دون قصد في بناء أجيال متطرفة لا تؤمن بالتعددية ولا تعترف بمذهب وعقيدة الآخر، وبالتالي رفضها التام لفكرة التعايش المشترك!
رنا الصباغ
برعاية اليونيسكو.. العرب أمام خارطة أممية تحاكي خطة ما بعد انهيار جدار برلين
العرب اليوم الأردنية
تعكف منظمة الامم المتحدة للعلوم والثقافة (اليونيسكو) على بلورة خارطة طريق صوب الديمقراطية لمساعدة دول عربية على عبور مرحلة التحول الشامل من التفرد في السلطة إلى التعددية على وقع رياح التغيير التي تجتاح المنطقة العربية.
الاستراتيجية قيد الاعداد الان تحاكي خطة متكاملة لتعزيز الحوار البيني ودعم الديمقراطية في دول أوروبا الشرقية والوسطى وضعتها المنظمة منتصف العقد التاسع من القرن الماضي, بعد خمس سنوات على انهيار جدار برلين, نقطة تحول سياسية لوجه أوروبا الشرقية.
اليوم ترقب المنظمة الاممية التحولات الجذرية في المشهد العربي بما تحمل من فرص وتحديات تولدت بعد أن قررت الشعوب العربية كسر حاجز الخوف للمطالبة بوقف فساد قادتهم, وانتزاع حرية, كرامة, عدالة وفرص عمل 2011 سيكون حاسما للعالم العربي مثل 1989 لأوروبا ما بعد الاتحاد السوفييتي.
على أن ملامح الوضع العربي الجديد لم ترتسم بعد وكذلك مصير ثوراته التي لم تحسم بعد.
ففي تونس ومصر, حيث نجح الشعب بالاطاحة بالرئيسين زين الدين العابدين بن علي وحسني مبارك, ستجرى انتخابات أواخر العام الحالي وسط سجالات ساخنة بين ورثة الثورات. الحاضر الابرز في هذه الانتخابات الاسلاميون وبقايا الاحزاب الحاكمة. التوانسة سينتخبون مجلسا وطنيا تأسيسيا في 23 تشرين الاول بهدف وضع دستور جديد للجمهورية الثانية ليحل محل دستور .1959 في مصر, يتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع على أمل بناء دولة ديمقراطية بعيدة عن تأليه الفرد.
وفي جمهوريات مثل سورية, ليبيا واليمن, يقاتل الزعماء شعوبهم بالاسلحة الثقيلة تشبثا بالكرسي وسط مخاوف من انزلاق تلك البلدان صوب حروب أهلية. وفي الاردن والمغرب, قرر الملكان, من الجيل الحديث, استباق التحديات بإطلاق وعود لتعزيز إصلاحات ديمقراطية وتوسيع مناخ الحريات السياسية وفضاءات التعبير عن الرأي. لكن الشعوب بانتظار تحويل الوعود والنوايا إلى مكتسبات على الارض تغيّر من سياسة الامر الواقع وسط مقاومة من الساسة التقليديين ممن يخشون فقدان مكتسباتهم ونفوذهم المتراكمة منذ عقود.
قبل أيام, استضافت المدير العام لليونيسكو, السيدة البلغارية انا بوكوفا, مائدة مستديرة للتحاور حول quot;الديمقراطية والتجديد في العالم العربيquot;, بمشاركة شخصيات سياسية, قانونية وإعلامية عربية من مصر, تونس, المغرب, الجزائر والاردن. كما دعي ممثلون عن منظمات أممية أخرى وعن تكتلات جغرا-سياسية مرّت بمرحلة تحول في أمريكا الجنوبية, أوروبا الشرقية, ودول الفرانكوفونية. عقد الحوار بحضور وزير الخارجية البلغاري نيكولاي ملادينوف والامين العام الاسبق للأمم المتحدة بطرس بطرس غالي.
صبّت النقاشات في بلورة خطط متعددة لدعم الديمقراطية عبر التركيز على قطاعات حيوية كالمرأة, الاعلام والاتصال, حقوق الانسان, التعليم, الشباب, العلوم والاجتماعيات والثقافة. وأظهرت خواص مشتركة تواجه الدول التي مرت بمرحلة تحول صوب مسار الدمقرطة قبل ثورة العرب الاخيرة. في بلغاريا مثلا, دامت عملية التحول 20 عاما قبل أن تستقر الامور نسبيا. في العالم العربي, وهج الثورات لمّا يخبو بعد. فالشعوب التي خرجت للشوارع تسعى لمكافحة الفساد السياسي والاقتصادي الذي عانت منه طويلا, اختيار السلطة بنفسها مع القدرة على محاسبتها, فرص عادلة في اقتصاد سوق وعدالة اقتصادية واجتماعية. باختصار, الغالبية تريد دولة ديمقراطية حديثة تقوم على أسس المواطنة المتساوية أمام قانون عادل وتحقق التحرر والتحديث المنشود. المطلوب عقود اجتماعية جديدة بين الدولة والمجتمع.
التحديات القادمة في وجه الثورات تكمن في احتمالات انهيار الاقتصاد وإجهاض مسيرة الدمقرطة, ظهور دكتاتوريين جدد على الساحة, خشية من استيلاء إسلاميين بمن فيهم السلفيون على السلطة وأيضا الفرز الطائفي والمذهبي.
وليس من المستبعد أن تتلقّى عملية التغيير ضربات اقتصادية لا سيما تفاقم البطالة بسبب حال عدم الاستقرار السياسي. كما سيواجه الشعوب قيد التحرر تواطؤ وفساد داخل الشرطة وعصي داخل دواليب الجسم القضائي تحول دون محاكمة رموز الانظمة المنهارة, على يد رجال كانوا جزءا من منظومة قضائية فاسدة فضلا عن استمرار تدجين الاعلام. كما أن الدمقرطة تتطلب ثقافة مجتمعية مساندة قائمة على منظومة قيم بما فيها حق الاختلاف, اصطراع الافكار, واحترام حقوق المرأة كما حقوق الاقليات العرقية والمذهبية ضمن مفهوم الدولة المدنية.
لذا, ستمر عملية التجديد بعدة مراحل ومخاض قد يؤجج مشاعر الامل والخوف في آن واحد, بخاصة أن إمكانية استشراف صورة واقعية لما ستكون عليه الامور مستقبلا تبقى غامضة. ففي سورية, تونس ومصر, حيث يترنح الموسم السياحي- مورد رئيس للخزينة, يهتز الاقتصاد منذ شهور نتيجة الاضطرابات القائمة في هذه الدول وهو مرشح للتحول في حال استمرار العنف والتوتر إلى تهديد حقيقي لمن هم في السلطة. التجّار مثلا لم ينضموا إلى الاحتجاجات في سورية وكذلك الطبقة البورجوازية المتحالفة مع النظام. على المدى المنظور, سيعتمد موقفهم السياسي إلى حد كبير على صحة أعمالهم, ما قد يحدث نقطة تحول في مسار الوضع القائم.
يتوقع صندوق النقد الدولي أن تبلغ نسبة النمو الاقتصادي في سورية 3% في 2011 بعد أن سجّلت 5.5% عام 2010 في اقتصاد تشرف عليه الدولة إلى حد كبير. في تونس ومصر, يجادل أصحاب الثورة بأن الانظمة السابقة كانت تحتكر نصف نقاط النمو تقريبا حتى لو كانت مرتفعة بالمقاييس الدولية.
في ندوة باريس قبل أيام عبّر مشاركون من هيئات الامم المتحدة ودول أوروبا عن ضرورة اصطفاف الغرب إلى الجانب الصحيح من التاريخ عبر دعم مسار التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتعزيز حضور المجتمع المدني شبه المغيب في العالم العربي. مرحلة التجدد في العالم العربي تحتاج لدعم اقتصادي بعد انخفاض حماس المستثمرين الاجانب وهجرة السياح, كما تحتاج إلى وسائل إعلام تؤمن بالتعددية والمهنية, وأحزاب سياسية ذات برامج وطنية قابلة للتطبيق في حال صعدت إلى السلطة عبر الانتخابات. كذلك تحتاج وقتا لتجديد النخب السياسية والمجتمع المدني بعد عقود من التكلس وتركز المال والنفوذ بأيدي أقلية. والاهم حاجتها إلى مصالحات داخلية قائمة على تحقيق العدالة وتغليب الحكمة.
فالديمقراطية في العالم تعيش ثورة رابعة انطلاقا من العالم العربي الذي يبدو اليوم كورشة بناء كبيرة متعددة المستويات, وان صبت جهود الغالبية في إطلاق إصلاحات وتعزيز المشاركة الشعبية في عملية اتخاذ القرار.
بقدر ما هي مطالب التغيير سمة مشتركة لدى الشعوب العربية هذه الايام بقدر ما علينا التنبه إلى خصوصيات البنى المجتمعية, الجغرافية والسياسية والى الجدل الدائر داخل المجتمعات العربية وخارجها. هذه العوامل تلقي بظلالها على المسار الحالي والمستقبلي سيما في غياب وصفاء جاهزة للتغيير قابلة للتعميم والاسقاط من الخارج. فالخوف من انحراف الثورات عن مسارها حقيقة ممكنة.
مناخ ملبد بالحيرة والرعب حيال المتغيرات الكبرى التي يشهدها عالمنا العربي. متغيرات كشفت مدى الاهتراء في الداخل وانتهاء صلاحية استغلال العدوان الخارجي كشماعة لمواصلة سياسات القمع والتسلط وتغييب الحريات.
ويظل التحدي الاكبر بناء لغة توافقية بين مكونات الشارع كافة والسلطات الانتقالية تضمن عبورا تدريجيا وآمنا صوب الاستقرار والازدهار.