الوطن السعودية

يستطيع المتابعون استيعاب المواقف السياسية الأميركية المبنية على المصلحة، ذلك أن الأميركيين أنفسهم يصرحون ـ باستمرار ـ بأن سياساتهم الخارجيّة مبنية على مصالحهم، وهو حق ليس لأحد أن يماري فيه، ما دامت أميركا تستطيع تحقيق مصالحها بوصفها الأقوى، وصاحبة الهيمنة، والقطب العالمي المفرد.
وفي المقابل، لا يمكن استيعاب ألا تكون تصريحات بعض المسؤولين الأميركيين مبنية على مصلحة مباشرة لأميركا، ومن ذلك إعلان وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون عن دعمها النساء السعوديات بقيادة السيارة في المملكة، مبررة ذلك بما ليس يغيب عن أذهاننا، في سذاجة دالة على أنها ترى في السعوديين شعباً يجهل الحقوق، ولا يدرك احتياجاته، وما يوائم مرحلته، حيث تشير إلى أن قيادة السيارة quot;توفر الوصول إلى فرص اقتصادية بما في ذلك الوظائف وتساعد على النمو والاستقرارquot;، وتضيف: quot;كما أنه أمر مهم بالنسبة للحياة اليومية.. إنه أمر ضروري من وقت لآخر لنقل الأطفال لمختلف الاحتياجات وأحيانا حالات الطوارئquot;.
لم يقف الأمر عند حدود سذاجة المبررات، وإنما تجاوزها إلى لغة الوصاية، حيث تقول: quot;إن ما تفعله هؤلاء النساء شيء شجاع وما يطالبن به حق ولكن الجهد المبذول يخصهن. وأنا تأثرت به وأؤيدهن.quot;
من الواضح أن هيلاري كلينتون لم تكن قادرة على استيعاب الفرق بين عملها بوصفها وزيرة للخارجية الأميركية، وبين نشاطاتها المدافعة عن حقوق نساء العالم، وهو ما يجعلها تقع في مأزق التدخل غير المبرر في شؤون الآخرين، وهو تدخل يتخذ صفة الرسمية حين يصدر عن وزيرة خارجية، لا عن ناشطة اجتماعية.
السعوديون ـ حكومة ومجتمعاً ـ يعون واقعهم، ويدركون الصالح للمرحلة، ويعرفون الحقوق معرفة تامّة، وليسوا في حاجةٍ إلى مواقف تشبه الإملاءات، فضلاً عن أن ما يُقال من تلقي كلينتون رسالة مفتوحة موقعة من نحو 10 آلاف شخص تدعوها إلى التدخل دفاعا عن حق النساء السعوديات في قيادة السيارات، يعني خللاً كبيراً في أساليب المطالبة بالحقوق، لأن المسألة ـ في كل الحالات ـ غير متعلقة بكلينتون أو أميركا، وإنما هي شأن سعوديٌّ خالص، وليس للآخرين الحق في التصريح علانية، بمواقفهم تجاه هذه القضية.