هل لو صمتت المؤسسة الدينية والسياسية في السعودية عن قيادة المرأة للسيارة، او لنقل غضت النظر او حتى وافقت على مسألة القيادة هذه، فهل ستقود المرأة السعودية السيارة؟
في قناعتي ان الاجابة هي لا.. او ليس بالضرورة.
هناك ضبابية كثيفة في رؤية حقيقة المجتمع السعودي من الخارج. نتيجة لذلك يعتقد البعض ان مسألة القيادة والمنع مصدرها الفتاوى الدينية والتزام الدولة بها.
لكن الحقيقة غير ذلك. فالمجتمع السعودي تحكمه ثلاث قوى: المؤسسة السياسية، المؤسسة الدينية، والشارع. وفي مسألة قيادة المرأة للسيارة تحديدا، يبدو الشارع هو العنصر الأقوى.
المجتمع السعودي محافظ بطبيعته. بل ومحافظ بعمق وشدة. ولعله يزداد محافظة يوما بعد يوم. لذلك هو يرفض قيادة المرأة للسيارة ليس من منطلق ديني بل اجتماعي.
يراه عيبا ان تقود المرأة السيارة. لكن المسألة ليست عيبا بل خوفا. والخوف هنا ليس على المرأة بل منها.
فاليوم، يمارس بعض الرجال نوعا من الديكتاتورية في حياة المرأة وتقرير مصيرها. فهم المتحكمون في تحركاتها متى تذهب وتأتي. واعطاءها حق القيادة يحد من السيطرة عليها. وفي مجتمع شديد المحافظة فإن عدم سيطرة الرجل على المرأة واعطائها قطعة حرية يضعف سلطته عليها. وإذا ما اضفنا لذلك طبيعة المجتمع الجافة اجتماعيا فإن معظم ما يملكه الرجل من قوة وسلطة وحتى ترفيه يتمحور حول المرأة.. والمرأة فقط. ولا يعرف الكثيرون مقدار الرفض الخارق الذي يبديه الرجل السعودي أمام خسارته لآخر ما تبقى له من معاقل سلطوية.
يفرض الرجل السعودي في الخارج على زوجته ان تغطي وجهها. لم يأمره احد بفعل ذلك في لندن او باريس او دبي. وهو هنا بالمثل لا يفعل ذلك بدافع ديني بل اجتماعي. فمن العار ان يرى احد وجه زوجته. هو يريد ان يوصل رسالة بأنه المتحكم وصاحب القرار والمحافظ على عرضة المدافع عنه. لم يخبره احد ربما ان عهد القتال والسبايا انتهى. من اجل ذلك هو يترقب ادنى فتوى دينية ويتمسك بها ليحافظ على مركزه كقائد على المرأة والقائم على شؤونها وفق ارادته ومشيئته التي وهبها له الشيخ لا الدين.
تأتي مشكلة اكبر وهي المرأة نفسها. فهناك سعوديات بالغن في اضعاف شخصيتهن بالاستسلام لإرادة الرجل. وهن بالمثل يتمسكن بأي فتوى دينية تدفع بهن لقعر الدار في انتظار ما يراه سيد الدار.
في تقديري ان نصف السعوديات يرفضن قيادة السيارة اكثر من رفض الرجل لها. مثل هؤلاء تحركهن ايضا عصا المجتمع وعاداته الممزوجة بفتاوى تحرم القيادة. قد يعتقد البعض انهن كبيرات في السن او غير متعلمات. وذلك غير صحيح. بل هن متعلمات ومثقفات ايضا، لكنهن أسرى ما يقوله الرجل والشيخ. فإن قال هذا الأخير شيئا وجب السير على ما يقول. والخروج عليه خروج عن الدين. إنه غسل أفكار تعرضت له المرأة السعودية منذ عقود طويلة، ومن الصعب ان تلبس ثوبا ما يزال يغسل كل يوم.
قيادة المرأة السعودية للسيارة هو بمثابة ترمومتر، ليس لقياس مدى انفتاح المؤسسة الدينية ومرونة المؤسسة السياسية، بل هو ترمومتر لمدى انفتاح الشارع السعودي رجالا ونساء.
- آخر تحديث :
التعليقات