أخبرتنا التجارب السابقة بأن الشعب عندما يتحرك فلا يقف الا عند عتبة القصر. ولست أعلم ان كان الأمر سيتكرر في سوريا أم لا.
لكن النقطة التي احب الحديث عنها ليست سياسية بل انسانية بالدرجة الأولى. إنها مسألة الخوف العلوي مما يحدث في سوريا. فأنا شخصيا لدي العديد من الاصدقاء السوريين العلويين، وجميعهم، بلا استثناء، يأخذ موقفا مناهضا لدعوات الاصلاح، ويؤكدون على ان ما يحدث ليس سوى احتجاجات بضع افراد لا تلبث ان تنتهي قبل ان تبدأ.
الاحتجاجات ليست لبضع افراد فقط. وهي تبدأ وتستمر طويلا قبل ان تنتهي. الكل يعلم هذا بما في ذلك العلويين انفسهم.
لماذا هم يرفضون دعوات الاصلاح إذا؟
هم لا يرفضونها، بل لعلهم دعاة اصلاح اكثر من الاصلاحيين انفسهم. لكن المسألة لا تعدو ان تكون خوفا من انتقام طائفي، إن سقط النظام، على اساس أن رأس هذا النظام كان حكرا على هذه الطائفة لما يقارب اربعة عقود.
رغم اني اجهل تماما ما سيحدث في سوريا، إلا انني واثق بأنه ايا كانت النتيجة فلن تحدث مشكلة طائفية. وخوف العلويين من اي عمليات انتقامية هو مبالغ به، بل هو تقليل من الشارع العربي الذي اثبت حكمة تفوق بعض قيادته.
لم تشهد الثورات العربية السابقة اي بعد طائفي رغم لعب القيادات المتنحية او الهاربة بالخيوط الطائفية والقبلية. انظر الى مصر على سبيل المثال. انفجرت احداث يناير بعد وقت قصير من صدامات دموية بين أقباط ومسلمين كان آخرها تفجير كنيسة الاسكندرية. وزاد الطين بلة اتخاذ الأنبا شنودة، وهو رأس الكنيسة المصرية، موقفا مؤيدا للرئيس السابق حسني مبارك. رغم ذلك، وبعد تنحي مبارك عن منصبه لم نسمع عن حادثة طائفية واحدة ولو من باب الانتقام من وقوف الأنبا الخطير والخاطئي مع النظام السابق.
ما حدث في اليمن صورة لا تختلف كثيرا عن مصر رغم ان الخارطة الطائفية والقبلية في اليمن هي اكثر تعقيدا. فهناك الزيدي والشافعي. وهناك الحاشدي والبكيلي. وهناك الشمالي والجنوبي. وهناك الحوثي والقاعدي، رغم ذلك اتحد الشعب كله، او اكثره، على مطلب واحد هو تنحي الرئيس وسقوط النظام دون ان نسمع عن ناشط واحد او ثائر واحد، واحد فقط، تحدث ولو مرة عن وضع طائفي او قبلي.
وهذا يقودنا الى ما يحدث في سوريا. فالخوف العلوي لا مبرر له من الناحية العملية، وان كنت افهم مبرره جيدا من الناحية النفسية. فتصريحات بعض شيوخ السلفية المتطرفة اثارت المخاوف. بل واثارتها حتى بين السنة والمسيحيين فما بال العلويين أنفسهم؟ وإن كان من موقف لا بد ان يتخذ، فالأولى ان يتخذ مع هؤلاء المتطرفون، ليس لأنهم يزرعون بذرة طائفية فقط، بل لأنهم اكثر خطورة من قادة مافيا وآل كابون الذين لا حرمة لمن خالف رأيهم.
من أجل ذلك لست أرى من مبرر حقيقي لخوف العلويين وكثير منهم قاد الاصلاح وطالب بالتغيير قبل اي سني او مسيحي. لست ارى من مبرر لخوف العلويين فلم يكونوا وحدهم البعث، فبالأمس سبقهم ميشيل عفلق وهو مسيحي، واليوم بينهم آصف شوكت رئيس الاستخبارات وعبد الحليم خدام وكلاهما سني وغيرهما كثير.
فوق كل ذلك اضيف بقناعة مطلقة أن ليس الإنسان السوري، وهو المثقف المتعلم، بأقل ذكاء ووعيا من المصري واليمني الذي صرفته هموم الوطن الواحد عن اي فتنة طائفية او عرقية.
- آخر تحديث :
التعليقات