سؤال حيرني:
نسب البطالة في المغرب والجزائر وحتى مصر لا تقل عنها في تونس، فلماذا اقتصرت الثورة على تونس وحدها؟
انتحر نصف عاطل في تونس فثار الشارع كله، في حين بلغت ست او سبع حالات انتحار في مصر ومثلها في الجزائر مع تنوع في الطريقة بين حرق وشنق، ولم يتحرك لا الشارع المصري ولا الجزائري ولن يتحرك الاردني ولا السوداني.
لماذا؟
هل بسبب قوة سيطرة الأمن في هذه الدول اكثر مما هي في الشارع التونسي؟
اعتقد ان قبضة الأمن محكمة وقوية في كل الدول العربية، حتى أن ميزانية وزارات الداخلية تفوق ميزانية الصحة والتعليم.
في قناعتي ان البطالة نتيجة وليست سببا. إذ هناك ثلاثة اشياء تقود الى ثورة الشعوب ليست البطالة من بينها. اول هذه الأشياء هو الظلم. وهذا الأخير لا يعرف فرقا بين غني وفقير. فقد تجد غنيا مظلوما بالنسبة للوضع الذي هو فيه، كأن تعطي صفقة لخصم منافس لهذا الغني بدون وجه فيلحق به ظلم بصرف النظر عما يملك وما لا يملك.
وكون الظلم عاما اكثر منه خاصا فإن تأثيره على الفقراء اقل من تأثير الجوع فيهم، وهذا الأخير هو السبب الثاني في دفع الشعوب للثورة. فالجوع اقوى واقسى على الانسان من الظلم وهو مرحلة أكثر تقدما في التردي.
الجوع بدوره يعني عدم وجود ما يخسره الإنسان حتى ولو كسرة خبز يابس. وعندما لا يجد الانسان ما يخسره يصبح أسدا حقيقيا. وهذا هو العنصر الثالث والأهم في تحريك أي ثورة في التاريخ. ويمكن ان نطلق على هذا العنصر عبارة quot;انعدام الأملquot;، وهو خلاصة الظلم مع الجوع مختلطين في لهيب واحد. إنه لهيب قادر على قطع كتل الاسمنت والحديد التي تحمي المسؤولين من غضبة الشارع.
وذاك ما حدث في تونس، وما لم يحدث في غير تونس. إنها ليست البطالة، إذ معظم الشارع العربي يعاني من الظلم والجوع والبطالة، لكنه ما يزال يملك كسرة خبز ناشف، وبعض أمل. في المغرب تحدث حالة انتعاش عارضة يبنى عليها الناس آمالهم ولو لم تتحقق. فتنسى جوعها وظلمها على امل أن يفرجها الله. ويتكرر الوضع في معظم الدول العربية التي تعاني من درجة عالية من البطالة والفقر ايضا.
لا تقود البطالة الى ثورة، ولا يفعلها الظلم والجوع، بل انعدام الأمل. فجل ما تفعله الثورات هو إعادة إحياء الأمل الذي مات.
إنها مفارقة عجيبة لكن واقعية، أن يكون انعدام الأمل هو الطريق الوحيد لخلق أمل جديد.
- آخر تحديث :
التعليقات