سأقول وبقناعة مطلقة، أن واحدا من أهم القرارات التي صدرت في السعودية، وعلى مدى عقود طويلة، كان قرار حصر الفتوى في هيئة كبار العلماء.
ربما كان على قرار الملك عبد الله ان يصدر منذ عشرة اعوام أو اكثر، عندما اتاحت وسائل الاتصال المتطورة من هاتف جوال وقنوات فضائية متعددة وإذاعات اختنق بها الأثير، اقول عندما اتاحت كل هذه الوسائل ظهور فئة من الشباب العاطل عن العمل، لم يجد ما يفعله سوى ان يطلق لحيته ويلبس عباءة سوداء، ويعطي نفسه صفة لا تعلم اساسا لها، ثم ينطلق في الافتاء في امور يعلمها ولا يعلمها. لكن القرار صدر، وهذا الأهم، وقد كان جريئا وضروريا.
وتبقى لي ملاحظتان:
الأولى، ان هناك خلط لدى الناس بين الداعية والمفتي. فإن كان المفتي هو الذي يسأله الناس ويجيبهم، فقد اصبح كل من يظهر على شاشة التلفزيون بلبسه وهيئته الدينية التقليدية يقدم الفتوى دون ان ينتظر سؤال أحد. بل ان أكثر الفتاوى هزلا وشذوذا لم تأت ردا على سؤال ديني بل هي اجتهاد قصد منه صاحبه الظهور ولو على حساب الأمة كلها. ويعني هذا ان القرار السعودي يجب أن يشمل ايضا رجال الدين الذين يقدمون الفتوى تحت ثياب الدعاة. ورغم ان السعودية لا تملك سلطة على كل رجال الدين الذين يظهرون على شاشات التلفزيون، فإن لها قدر التأثير على تلك التي ترتبط على الأقل برأسمال سعودي.
الملاحظة الثانية، ان الناس انفسهم في حاجة الى قرار آخر، لكن ليس قرارا ملكيا بل قرارا عقليا. فقد اصبح الناس انفسهم مدمنين للفتوى، ومن فئات عمرية وثقافية متباينة. لقد قدر لي في احدى الامسيات الرمضانية ان اجلس مع نخبة اجتماعية وثقافية دار معظم حديثها عن المسائل الدينية. وكم استغربت سؤال احدهم عن جواز صيامه وهو يلبس مايوها بحريا، وأخرى تسأل ان جازت صلاتها وهي تضع مكياجا.
ان كان من أحد قد شجع الدعاة على التمادي في فتاويهم الغريبة، وان كان من احد شجع على هذا النمو العشوائي لرجال الافتاء، فإنه الناس انفسهم. اولئك الذين يغرقون في تفاصيل تبعدهم عن جوهر الدين. اولئك الذين يؤمنون ان الله تعالى شديد العقاب لا صاحب الرحمة والمغفرة. اولئك الذين يطربهم العذاب ويحزنهم الفرح. اولئك الذين يعتقدون ان الدين هو بنطال جينز او احمر شفاه وعلبة بيبسي كولا.
بمن نبدأ العلاج إذا؟ بالدعاة الذين يجب ان يرتدعوا، ام بالناس التي تحتاج الى ثقافة جديدة تبعدهم عن تفاصيل تخرج الانسان من عقله ودينه؟
اعتقد ان هذا يكمل ذاك، فإن كان من العسير التحكم فيما تفكر به الناس، فالتكن البداية اذا بحصر الفتوى في اهلها.
لقد سبق لي ان كتبت مقالا اتهم فيه القنوات الدينية بأنها ترتكب جريمة ضد الدين والانسانية. واناشد هنا من جديد بأن يصدر قرار بشأن تلك القنوات ينظم عملها، وليته يغلقها. فكلنا مسلمون نعرف امور ديننا. وكلنا قادر على رؤية الخير من الشر اكثر من الدعاة المدعون على شاشات التلفزيون.

[email protected]