الى اين تمضي الثقافة العربية وماذا عن حوارها مع الثقافات الأخرى؟
كان ذلك موضوع احدى ندوات موسم أصيلة الثقافي لهذا العام، وقد شارك في الاجابة على السؤال نخبة من رجال الفكر والثقافة في العالم العربي. بعضهم قال ان الثقافة العربية تتعرض لهجوم من الثقافات الاخرى، وبعضهم الآخر قال ان الثقافة العربية اكثر عراقة مما نعرف لولا الصهيونية والامبريالية، وهناك من قال انها تعيش نهضة وستثبت نفسها على الخارطة العالمية كما كانت في تاريخها.
في قناعتي ان الثقافة العربية تعاني من مشكلة رئيسية، ملازمة لها منذ القدم، وهي أنها تريد ان تؤثر ولا تتأثر. لقد كانت ثقافتنا محصورة قبل الاسلام في قبائل ناطقة باللغة العربية وبضع شعراء. لكنها بعد الاسلام اخذت بعدا اقليميا ثم دوليا باتحادها معه. هذا الاتحاد اعطى الثقافة العربية نزعة فوقية جعلها تفرض نفسها على الثقافات الاخرى بالازالة حينا او النكران حينا اخر، كما حدث أمام ثقافة بلاد فارس والاندلس، حيث اختفت الثقافات الاصلية تحت هيمنة الثقافة العربية في اللغة والعادات وحتى السلوكيات. وبعد ان ضعف الاسلام انكمشت الثقافة العربية على ذاتها رافضة الاستفادة من اي ثقافة اخرى بحجة الخوف على الاسلام من التغيير او التحريف. هذه المتلازمة بين الاسلام كدين والثقافة العربية كقومية، جعلت من هذه القومية شديدة العزلة عن البيئة المحيطة بها، فلا هي تأثرت بالثافافات الاخرى يوم قوة الدين، ولا هي التي تأثرت بغيرها اثناء ضعف الدين.
انظر الى المفردات العربية، تجدها شديدة الارتباط بنفس الهيكل الاساسي للغة منذ عهد امروئ القيس مع بعض الاختلافات في الشكل لا المضمون. انظر ايضا الى عدد المفردات ذات الاصول غير العربية في اللغة العربية، ستجدها محدودة. في حين تجد الكثير من المفردات العربية في اللغات التي تعايشت مع الثقافة العربية، كما هو الحال في اللغة الفارسية وحتى المالطية او الاسبانية. هذا يعني ان الثقافة العربية لم تكن مرنة في تعاملها مع الثقافات الاخرى، بل شديدة الانغلاق على ذاتها. ونحن ان بررنا ذلك بأن المنتصر يفرض ثقافته على المنهزم، فنحن لم نتأثر بأي ثقافة اخرى حتى بعد انهزامنا. مثل هذا الثبات دون ان نتأثر بأحد لا يعكس قوتنا بقدر ما يعكس انعزالنا وخوفنا من كل ما هو قادم من وراء خطوط ثقافتنا.
كل ثقافة تحب ان تكون اقوى من غيرها، لكن مثل هذا المطلب سيعزز من وحدتها لا من قوتها، فما من أحد اليوم لا يعيش مؤثرا او متأثرا، فإن انعدم هذا التأثير فمعنى ذلك موت هذه الثقافة ذلك ان الجسد الميت وحده لا يؤثر أو يتأثر.
يبقى السؤال حول المدى الذي بلغه حوار الثقافات بيننا وبين الآخر، وبهذا الشأن اقول بأن الحوار وان كان قد بدأ مؤخرا، وتحت وطأة احداث سبتمبر، فإنه ما يزال يراوح مكانه، ولست اعتقد انه حوار جاد بكل احوال. ذلك ان الثقافة العربية اليوم في طريقها الى انغلاقات اكثر ضيقا. انظر الى ما حدث بين مصر والجزائر على خلفية مبارة كرة قدم. انلسخت الثقافة من جسد هذا وذاك وتعرت الاصوات، وفي لمحة عين اصبحت مصر فرعونية والجزائر بربرية.
الثقافة العربية اليوم ضعيفة حد الاهتراء، ولست أراها قادرة على توحيد جسدها فكيف بها تحاور جسدا أخر؟
التعليقات