إن فكرنا من صنع أمريكا منذ القرن الماضي وحتى الآن سنجد أنه الاعلام اكثر منه القوة العسكرية.
وهذا الإعلام يعني صحف ومجلات وتلفزيون وهوليوود.
لا.. بل أعتقد ان هوليوود سبقت كل وسائل الاعلام الاخرى في صنع الصورة الأمريكية التي نراها اليوم.
لقد اصبح الرجل الأمريكي لا يقهر، والمرأة الأمريكية بألف رجل، والطفل الأمريكي معجزة. بتنا نعتقد ان كل من يحمل الجنسية الأمريكية هو انسان جبار. وهذا الجبار حول كل فشل أمريكي ماحق الى نجاح ساحق. فيتنام والعراق وافغانستان ونيكاراجوا وغيرها أماكن فشلت فيها امريكا عسكريا وسياسيا رغم ذلك فقد خرجت منتصرة سينمائيا.. والناس تحب النصر وتهاب المنتصر، ولو في الخيال. من أجل ذلك صدّق الأمريكيون، والعالم كله، أن أمريكا انتصرت في كل مكان، كما هي عادتها، كيف لا والأمريكي لا يقهر ولو اصابته الف رصاصة وعشرة قذائف هاون وصاروخ نووي بعيد المدى؟
بعكسه الانسان العربي الذي ما يزال يقطع المسافة من الرياض الى نيويورك على الجمل كما تصورنا هوليوود. نحن ما نزال نلبس حتى الآن ثياب المهزوم في الحرب والسلم.
.. هل هناك امكانية لتغيير الصورة؟
كل دولة عربية تعمل على تغيير صورتها بوسائلها.. لكن آخر ما تلجأ إليه هو العمل السينمائي. أي انها تغفل أهم سلاح في معركة الصيت والسمعة والنصر.
في الخليج اكثر من مهرجان للسينما العالمية، وبالمثل في معظم الدول العربية. هذه المهرجانات جيدة ولا شك، لكني لست أفهم كيف نتهافت على استقطاب نجوم العالم ولا نصنع نحن نجوما خاصين بنا؟
هل هذا مستحيل؟
ربما يكون صعبا، لكنه قطعا ليس بالأمر المستحيل.
ماذا لو تم تخصيص ميزانية تجارية ضخمة لإنتاج اعمال سينمائية تحسن صورة العربي؟
إيران، الجارة الخصم، استطاعت ان تحصد جوائز سينمائية عالمية. صحيح انها لم تساهم في تحسين صورة ايران عالميا، لكنها اعطت الشعب في الداخل على الاقل احساس النصر. ولولا القضايا النووية لتغيرت الصورة العالمية بأية حال.
مصر قطعت شوطا كبيرا أيضا، من أجل ذلك هي أمام العالم هرم وفرعون وتاريخ أقدم من عمر الكرة الأرضية نفسها.
نحن لسنا في خصومة مع الغرب. وانتاج اعمال سينمائية راقية ستكون ورقة رابحة ولا شك، إن لم يكن في تغيير صورتنا لدى الآخرين، فعلى الأقل تغيير صورتنا أمام انفسنا.
نحن حتى الآن ما نزال ننتج اعمالا تلفزيونية تاريخية او علمية او درامية أقل ما توصف به أنها سخيفة وغير حقيقية. إن كنا نحب الانتاج الدرامي لهذه الدرجة لنتوجه إذا الى ما يفيد.
هل سننجح؟
نعم.. بشرط ان نبتعد عن الدعاية المباشرة لأسماء او رموز او شخصيات بعينها.
مصطفى العقاد رحمه الله كان صديقا مقربا لي، وقد كان يكرر في أكثر من مناسبة ان العرب لا يعرفون مدى قوة السينما. ظل يردد العبارة ذاتها منذ أول يوم التقيته وحتى اليوم الثالث الذي سبق مقتله. أنا الآن أكثر إيمانا بأنه كان مصيبا في كل كلمة قالها. والدليل انه نجح في صنع افلام مؤثرة عالميا مثل عمر المختار والرسالة وحتى سلسلة هالوين داخل أمريكا أكثر من كل ما قدمته السينما العربية مجتمعة.
الدول الخليجية تملك ثروة قادرة ان تحقق بها الكثير. صفقات التسليح تسنزف ميزانية ضخمة لإعطاء الدولة مظهر القوي، لكن المطلوب ان يكون هناك احساس بالقوة اكثر من وجود القوة ذاتها. وهذا ما فعلته هوليوود بأمريكا. إنها اعطت البلاد احساسا بالقوة أكثر مما هي في الحقيقة. ونحن نريد الشيء ذاته في الخليج وفي كل شبر عربي، وقادرين عليه.
التعليقات