كنت اعتقد ان هيئة الافتاء في السعودية, وهيئة كبار العلماء, وحدهم من يملكون حق الافتاء الشرعي.
إلا اني اكتشفت مؤخرا ان نصف الناس في السعودية هم أصحاب فتوى بالمثل, وبعلم وغير علم. فقد اصبح صديقنا الملتحي يملك حق الفتوى, وجارتنا العجوز, وصاحب البقالة القريب من المنزل, والخادمة السريلانكية. كل هؤلاء يفتي في رمضان وغير رمضان كيف شاء, ومتى شاء, وحسبما يشاء.
والأكثر غرابة ان فتاويهم غريبة ومضحكة. فهناك من يفتي في حكم شرب الشاي في رمضان, وفي لبس هذا الثوب او ذاك, او مشاهدة التلفاز, او في التهجد والتراويح, وما يجوز ولا يجوز في العيد.
ورغم غرابة الفتاوى, وسذاجة وجهل من يفتون بها, إلا ان الاكثر جهلا منهم هم الناس انفسهم الذين يأخذون بكلام هؤلاء على انه مقدس لا رجعة فيه.
فقد أثارت حيرتي جارة لنا قالت ان مشاهدة التلفاز محرمة شرعا, حسبما سمعت من جارة لها. وان هذه الجارة ارجعت الفتوى المتواترة الى عدة جارات بالاعتماد على فتوى عمرها دهر للشيخ ابن باز.
اولا حتى الشيخ بن باز رحمه الله لا تعتبر فتاويه قطعية, فلا هو بالرسول ولا راوي حديث, ثانيا, أن قصة هذه الجارة تكشف ان كل من قرأ كلمة هنا وكلمة هناك من عامة الناس اصبح يعتقد انه قادر على الفتوى.
ورغم رفضي لسذاجة الناس, إلا اني لا ألومهم احيانا فقد اصبحوا يرون كل يوم على شاشات التلفزيون اشخاصا لا يملكون من مظاهر التقوى والمعرفة سوى لحية مخضبة بالسواد ولطشة على الجبهة من أثر السجود. يتحدث احدهم كما ولو كان ممثلا مسرحيا, تحسبه سيبكي بعدها وينزل الستار.
إنه عصر الادمان على الفتوى. فإن لم نجد من يفتي لنا سألنا خادمتنا. وإن لم نجد ما نستفتي به نخترع قصة. وان لم نجد الفتوى ذاتها, جلدنا انفسنا حتى الصباح.

[email protected]