تابعت من بعيد قصة الصحافية السعودية التي حكم عليها بالجلد قبل ان يعفو عنها العاهل السعودي الملك عبد الله.
كان موقفا انسانيا وعمليا من الملك ان يحول دون جلد فتاة اعلامية قد تكون ارتكبت خطأ بحسن نية.
ما اثار استغرابي في القضية كلها هو مسألة الخطأ والجلد.
إن كان الخطأ يستحق العقوبة، حتى ولو لم يقصد المخطئ خطأه، فهذا وضع طبيعي يحدث في كل المجتمعات مع كل البشر.
لكن مسألة الجلد هذه قصة مختلفة، لا تحدث في كل المجتمعات، ولا علاقة لها بالبشرية.
القضاة في السعودية يجتهدون في الكثير من احكامهم. ولهم الأجر ان حسنت النية وصدق الاجتهاد. لكن مسألة الجلد هذه تحتاج الى اعادة نظر. ذلك ان الجلد في حد ذاته يتعارض مع الكرامة الانسانية. ولا أفهم كيف ان الاسلام حرم ضرب الحمار على وجهه، في حين يتساهل القضاء في اصدار احكام الجلد على انسان ضعيف، ناهيك لو كان هذا الانسان فتاة اخطأت عن غير قصد.
منذ سنوات تعدت العشرة كانت هناك قضية المصري الذي حكم عليه بعشرة آلاف جلدة. ثم أتت فتاة المنطقة الشرقية التي حكم عليها ببضع مئات. واليوم تأتي قصة الاعلامية السعودية. وما بين هذه القصص مئات السياط هوت على أجساد بشر لم نسمع عنهم شيئا.
لست عالم دين، ولا يحق لي الفتوى، ولست حتى أعلم عن مسائل العقاب والثواب اكثر من الآخرين. لكني أعلم تماما ان الله تعالى قد كرم الانسان في البر والبحر. وان كان الجلد عقوبة اسلامية مقررة منذ نزول القرآن، فلا يمكن الاستمرار في العقوبة ذاتها بعد مضي الف واربعمائة عام دون ان يكون هناك بحث عن بديل اكثر انسانية، وأفضل نتيجة. فهناك عقوبات اخرى مقرر شرعا في القرآن الكريم لم تعد تنفذ اليوم، ليس تجاهلا للعقوبة، بل للتخفيف فيها أو البحث عن بديل لها، واضرب مثالا على ذلك بحالات السرقة. فلو قطعت يد كل سارق بيننا، فسينتهي الأمر بآلاف يسيرون بيننا بيد واحدة فقط.


[email protected]