في كل كارثة او مصاب جلل، يبرز عباقرة، بدرجة نصف نبوة، يقولون ان سبب الكارثة هو غضب الله على المتضررين بسبب معاصيهم.
ما حدث في جدة كان أحدث فرصة لهؤلاء العباقرة كي يصبوا لعنات تأويلاتهم على المساكين.
فقد قرأت من يقول بأن الفساد قد عم المدينة، وان الله قد عاقبها على ما بلغته من معاصي.
وسأختصر ما أقول في بضع نقاط:
أولا، لماذا لم يصب الله غضبه على لاس فيجاس المدينة الأمريكية المشهورة بصالات القمار وملاهي الليل والنهار التي تمتلئ بها حتى الأزقة الضيقة؟
سيقول العباقرة بأن الله يعاقب المؤمنين وحدهم ليطهرهم من آثامهم. وهنا اتسائل أليس كل اصحاب الديانات السماوية مؤمنون ايضا؟ وبافتراض انهم ليسوا كذلك، أليس من الأولى ان ينصرف العذاب لغير المؤمن بدلا عن المؤمن؟
ثانيا، ان كانت هناك معاص في جدة، فلعلها تنتشر في الشمال الغني اكثر منه الجنوب الفقير. وما حدث اصاب فقراء الجنوب لا أغنياء الشمال.
ثالثا، ما هي المعاصي التي انتشرت في بلاد تأوي الحرمين الشريفين؟ هناك اخطاء نعم. لكنها لا ترقى الى درجة الفساد الجماعي. وما أعرفه ان الله تعالى يعاقب على فعل جماعي لا فردي. ليس الله تعالى هو مصدر الرحمة فقط، بل هو الرحمة ذاتها. وفي الأحاديث ان العباد يأتون يوم القيامة بذنوب كالجبال فيغفرها الله لهم، فمن هو الذي وصلت ذنوبه في جده الى مستوى جبل واحد وهو يعيل عائلته ومن هي التي بلغته وهي ترضع طفلها؟
رابعا، لو ان الله تعالى يعاقب المفسدين في جدة على معاصيهم، لسارت سحابة فوق بيت كل مسؤول عن الكارثة، فأغرقته بمائها ودمرت داره بصواعقها فيكون عبرة لغيرة. لكن الذي حدث ان السحب اصابت الضحية لا الجلاد، فأي عذاب إلهي هذا الذي يخطئ هدفه؟
سيظهر من يقول لي اتق الله فيما تقول، وسأرد عليه ان يتقي الله هو في نفسه وفكره، ولا يزيد الناس كربا على ما هم فيه من كرب.
- آخر تحديث :
التعليقات