إعداد عبدالاله مجيد: بول اوستر كاتب متعدد المهارات، صاحب أسلوب ساحر في مباشرته وقدرة حاذقة على تقديم سايكولوجيا دقيقة ولديه إحساس المتذوق إزاء الشكل الروائي ـ حدوده وطلاقته ـ وكثير الى جانب ذلك. عمله الأخير quot;اللامرئيquot;، يروي قصة آدم ووكر الذي يلتقي البروفيسور السويسري رودولف بورن عام 1967 حين كان طالبا في جامعة كولومبيا. يعرض البروفيسور على ووكر رأسمال مال لتأسيس مجلة أدبية وإدارتها.
ووكر ينام مع مارغوت صديقة بورن quot;خمس ليال متتاليةquot; خلال غياب البروفيسور.
لدى عودة بورن يعترضهما مسلح. يشهر بورن سكينا فيرتاع ووكر حين يرى البروفيسور يستخدم السكين. يهرع ووكر لاستدعاء الاسعاف ولكن بورن والشخص الذي حاول الاعتداء عليهما اختفيا. يكتشف ووكر لاحقا ان المعتدي توفي متأثرا بطعنات متعددة من سكين البروفيسور quot;في صدره ومعدتهquot;. يرتعب ووكر فينتقل للعيش مع اخته ويبدأ بمضاجعتها. ويزداد رعب ووكر فينتقل الى باريس حيث يعود الى مضاجعة مارغوت ويقرر الانتقام من بورن (الذي هرب من نيويورك الى باريس). فيكشف ووكر لصديقة بورن الجديدة هيلين حقيقة الرجل المقبلة على الزواج منه. وينفذ الخطة بكسب صداقة ابنتها المحافظة سيسيل وثقتها.
تُروى القصة في ثلاثة اقسام ـ مخطوطة كتبها ووكر المحتضر عام 2007 ثم أُرسلت على اقساط الى صديق ووكر من ايام الدراسة جيم فريمان، وهو نفسه كاتب فيروي مقاطع تتعلق بووكر آخر زمن. في النهاية تتولى سيسل السرد لوصف رحلتها من اجل زيارة بورن الذي ترهل وشاخ في جزيرة في الكاريبي.
يقول ادوارد دوكس بعد هذا العرض لمحاور الرواية في صحيفة quot;الغارديانquot; ان الحبكة لا تتبدى بالحيوية الكافية على صفحات الكتاب وتبدو الرواية تجميعا وتشبيها مبهما تعوزه القوة التي ينبغي ان تتفجر بها مادة موضوع كهذا أو قوة الاقناع لدى استاذ في النثر، من النمط الذي يرتبط بكاتب عابث آخر كأن يكون نابوكوف، على سبيل المثال.
ويتابع دوكس نقده لرواية اوستر الأخيرة واصفا اسلوب الكتابة بـquot;الحياد مجهول الهويةquot; ويشير الى ان الرواة الثلاثة كلهم مهووسون بالاقتباسات الثقافية. فعندما يشاهد ووكر فيلم كارل دراير quot;اورديتquot; يذكره الفيلم quot;بقطعة موسيقيةquot; وكأنه ترجمة بصرية لمقطوعة ذات جزأين من تأليف باخ.
لا تني الرواية ترقص حول مثل هذه الطواطم الثقافية، وتتكشف شخصياتها بتعداد مَنْ يحبونهم من الكتاب والموسيقيين والرسامين. وتكون النتيجة خبرة طلابية في القراءة ـ كمن يستمع الى طالب دراسات عليا يحاول ان يثير اعجاب طالبة جديدة.
يلوح وكأن مواقف اوستر ما بعد الحداثية المختلفة تخفي استراتيجيات متعددة للتهرب والافلات. وهذا هو الاحساس الذي يخرج به قارئ الرواية: انها رواية تمارس التملص والتهرب. ويرى دوكس ان الطواطم الثقافية والحيل التي يلجأ اليها الراوي كلها وسائل لتفادي مهمة كابوسية شاقة هي الكتابة عن شخصيات حية وتصوير المشاهد تصويرا حيا. ولدى مقارنة رواية اوستر الأخيرة مع رواية فيليب روث quot;مسرح السبتquot; (روث ايضا كان في الثانية والستين عندما كتبها) ورواية الجنوب افريقي جي. أم. كويتزي quot;العارquot; (كان كويتزي في التاسعة والخمسين)، لا يسع دوكس سوى الشعور بأن ما تفتقده رواية اوستر هو كل ما في اعمال هذين الاثنين مما هو quot;قوي ومتألق ومقلق وجبار وشكسبيري يتعاطى مع الماهية الحقيقية لعذاب الانسانquot;. بدلا من ذلك تبدو قراءة اوستر quot;كمن يشاهد ممثلا يريدك ان تعجب بأدائه بدلا من ان يُنسيك بأنه مجرد أداءquot;، على ما يقول دوكس في نقده رواية اوستر الأخيرة quot;اللامرئيquot;.