منذ أيام أخذت أقلب في صفحات أول كتاب لي عنوانه quot;يهود تحت المجهرquot;.
كتبته في سنتي الجامعية الأخيرة. وقد تحدثت فيه عن ما أحدثه اليهود من خراب في العالم، معتمدا على ما يسمى quot;بروتوكولات حكماء صهيونquot; التي كشف النقاب عنها أول مرة في مطلع القرن الماضي في روسيا.
اليوم وأنا أقلب في الكتاب أدركت كم كنت مخطئا في نصفه على الأقل، ذلك أني بت مقتنعا بأن هذه البروتوكولات ليست أكثر من وهم، وأن قصة خراب اليهود للعالم تفتقر الى الدقة.
البروتوكولات، التي قيل إنها تتحدث عن مخطط يهودي للسيطرة على العالم، ليست أكثر من خزعبلات والإيمان بها يعني بكل بساطة أن العالم نائم على نفسه، ويساق كالأغنام بلا إرادة. الإيمان بهذه البروتوكولات يعني ايضا ان كل ما يحدث على الأرض من مأس هي بسبب اليهود، فلا يبقى سوى ان نرجع البراكين والزلازل إليهم.
نحن نقلل من قيمة أنفسنا عندما نقول ذلك ونستخف بعقولنا، وفي الوقت ذاته نعطي فئة قليلة حجما أكبر مما هي عليه.
لقد تعاملت مع اليهود، وهم لا يختلفون عن أي طائفة او دين في شيء، بل وجدتهم أكثر انضباطا في اعمالهم وتعاملهم.
لست أتحدث هنا عن اسرائيل، فتلك مسألة أخرى، بل أتحدث عن بشر يدينون باليهودية. تعرضوا خلال تاريخهم للكثير من النكبات. وأذكر اني عندما بحثت عن سبب النكبات وجدت أن معظمها يعود الى كونهم أقلية، ومن شأن أي اقلية في العالم أن تكون عرضة لظلم الأكبر والأقوى. من أجل ذلك هم منضبطون وخائفون في الوقت ذاته.
القرآن اخبرنا بقصة اضطهاد فرعون لهم، ولكننا لا نعرف سبب الاضطهاد. القصة التي لدينا ان يوسف عليه السلام ادخل اليهود الى مصر، فأرسل الله موسى عليه السلام ليخرجهم منها أحرارا. نعرف أيضا ان هتلر اضطهدهم وأحرقهم كما فعل مع أقليات أخرى من عرب وزنوج، لكننا لا نعرف سبب الاضطهاد الألماني لهم.
هناك من يقول بأنهم خائنون، وأنهم كاذبون. لكننا لا نجد شيئا يخبرنا عن خيانتهم لفرعون حتى يضطهدهم، ولا خيانتهم لهتلر حتى يفعل الشيء ذاته. بل كان معظم اليهود تجارا وعلماء، ولم يكن آينشتين سوى نموذج منهم.
لست أقول ان نتباكى عليهم او نتعاطف معهم، لكني لا أجد مبررا للدعاء عليهم وهم أهل كتاب كما نفعل اليوم في مساجدنا ومدارسنا. ان كنا نقصد اسرائيل فلنقم الصلوات كي تزول، ولنطلب من الله تعالى ان يقتص من كل يد ترمل نسائنا وتيتم أطفالنا. لكن ان كنا نتحدث عن بشر يدينون بغير ما ندين فإن الدعاء عليهم يولد حقدا لا مبرر له.
أعود مرة أخرى الى مسألة البروتوكولات، وأقول بأننا في حاجة الى ان نكون اكثر عقلانية عندما نتحدث عن أمة او شعب. فما عاد أحد يسيطر على أحد. وان قال أحدهم ان البروتوكولات حقيقة لأن كل ما قالته قد تحقق، فاللحقيقة أقول ان شيئا منها لم يتحقق. والحديث عن سيطرة يهودية على اقتصاد العالم ووسائل الاعلام فيه هو حماقة فكرية، إذ ان الاقتصاد تحركه قوى العرض والطلب، والإعلام تحركه المصالح السياسية، والنفوذ اليهودي في كل مكان ليس أكثر من اختراع عربي نغطي به خيبتنا في النجاح أمام انفسنا وأمام الآخرين.

[email protected]