شهد الاسلام منذ يومه الأول طعنات اصابت عمق جسده. كان السبب هو الانقسامات الكثيرة بين سنة وشيعة وما تلاهما من طوائف.
تموت الخصومات بعد فترة من الزمن. فمعظم الانقسامات القديمة في العالم، حتى الدينية منها، استقرت على وضعية خمدت معها اسباب اشتعال النيران فيها. لنأخذ الانقسام الذي اصاب المسيحية بين كاثوليكية وبروتستانتية. فرغم حرب المائة عام التي تلت والتي تلت والتي تلت، إلا انها خمدت في مجملها، ولم يتبق سوى دخان بالكاد يرى. الوضع يخلتف في الاسلام، إذ ان الخلاف الكبير الذي اصاب المسلمين في الصدر الأول ما يزال قائما حتى الآن. بل وما يزال قويا كما لو أنه حدث بالأمس. ولعل احد اسباب قوته هو تطرف الآخر، بل ولعله السبب الوحيد.
عندما تبحث عن اسباب الخلاف بين شيعة اليوم وسنته، ستجد ان تطرف الآخر هو المحرض الاساسي. أي تطرف من طرف واحد. وغالبا ما يأتي من الأكثرية تجاه الأقلية، كون الأخيرة تميل الى المهادنة حفاظا على وجودها الصغير. ويعني هذا ان الطرف السني، الذي هو اكثرية في العالم الاسلامي، غالبا ما كان السبب في اثارة التطرف الشيعي. لا اقول ان الشيعة مسالمون، لكني لن اقول ابدا بأن السنة هم اكثر مسالمة. بل ان التطرف والعنف في العالم الاسلامي كان اكثره سني، من الدولة الأموية والعباسية، مرورا بالامبراطورية العثمانية وانتهاء بالحركات او التنظيمات الأصولية الحديثة. الكرة الارضية مغطاة بصفائح صخرية يصطدم بعضها بالآخر. وقد كانت الصفيحة السنية اكثر حضورا وقوة ومزاحمة للصفيحة الشيعية. فكان من المتوقع ان تدافع هذه الصفيحة على بقائها ولو بالقوة ان لزم الأمر.
خذ القاعدة على سبيل المثال، إنها تجسيد حي وحديث للتطرف السني. فهي عنيفة حتى مع ابناء السنة انفسهم. بالنسبة لها فإن الفئة الشيعية quot;الرافضيةquot; خارجة عن الاسلام وإن نطقت بالشهادتين. بل حتى بعيدا عن القاعدة، ستجد من ابناء السنة انفسهم من يصف نفسه بالاعتدال ويطلق اللفظة ذاتها على كل شيعي بلا استثناء.. يا له من اعتدال!!
في عمري هذا، وبعد قراءات ومشاهدات كثيرة، ما زلت عاجزا عن رؤية سبب واحد يدعو الى هذا الانقسام بين سني وشيعي. لقد كان خلاف اشخاص حدث منذ الف واربعمائة عام ونيف. ومطلوب مني الآن ان ادفع ثمن هذا الخلاف حتى مماتي.
لكني لن افعل. فأنا مؤمن بأن الشيعة هم مذهب خامس في الاسلام. شأنهم شأن المالكية والحنفية والحنبلية والشافعية. ولن أغضب ان اتهمني احدهم بالتعاطف مع الشيعة او الانحياز لهم كما انحاز للسنة. فكل من شهد بالوحدانية واحسن معاملة الناس هو مؤمن، والإيمان اعمق بكثير وأعظم قيمة من صفة مسلم سني او شيعي.
[email protected]