لولا الخوف من امريكا وبعض الحكومات العربية، لأقام العديد من المسلمين حول العالم صلاة الغائب على بن لادن. فكما احتفت امريكا بهذا الانتصار، كما سكن الحزن الخائف وجوه الكثيرين في العالم الاسلامي. لقد كان حزنهم عميقا وصامتا.
هذا التعاطف مع بن لادن سببه امران: اولا، ان ما يفرح امريكا يغضب الشارع الإسلامي في المجمل، سيما إن تعلق الأمر بعملية هوليودية تثبت مقدرة امريكا على الوصول لكائن من كان. ثانيا، ان الناس بطبيعتها تتعاطف مع الأضعف ولو كان مجرما. أنظر الى الأفلام الأمريكية نفسها التي تخلق مثل هذا التعاطف مع لص وحيد يريد ان يسرق أقوياء.
لا شك ان اسامة بن لادن ارتكب جرما بقتل آلاف الأبرياء. لكن الشارع الاسلامي لا يشارك بالضرورة هذه النظرة للرجل ان طبقنا مبدأ الضعيف أمام القوي. والدليل على ذلك قد أتى من امريكا نفسها التي رفضت، حتى الآن على الأقل، نشر صور الجثمان خوفا من إثارة البعض. وهذا يعكس ضمنا معرفتها بمدى التعاطف الذي يحظى به الرجل في العالم الإسلامي. اضف الى ذلك مسألة دفنه في البحر ليتفرق جسده بين الأسماك فلا يصبح له قبر يتخذ مزارا. وهذا ايضا اعتراف بما يمثله الرجل من رمز ديني وفكري. ولعل هذا تحديدا ما دفع ببعض أبناء الدول الغربية نفسها الى انتقاد الطريقة التي قتل بها بن لادن، كما حدث في ألمانيا مثلا. لقد كان ذلك تعاطفا مستترا مع رجل أعزل قال عنه نائب نيوزيلندي انه مقاتل من اجل الحرية.
في قناعتي أن امريكا قد تخسر من قتل بن لادن اكثر مما ستحقق من انتصار. فشماعة الارهاب التي كانت تعلق عليها كل عملية لها قد كسرت ذراعها الاساسية. أضف الى ذلك أن أمريكا ارادت ان تبني اسطورة الأمريكي الذي لا يقهر أمام رجل أعزل ولو كان مجرما. ولعل هذا تحديدا ما أزعج حتى أسقف الكنيسة الانجليكانية في لندن روان ويليامز.
إبن لادن كان لابد ان يموت مقتولا جسديا او معنويا على ما اقترف. لكن يبدو انه قتل جسديا وعاش معنويا في نفوس بعض من يرى فيه رمزا او قصة غامضة لن تحل طلاسمها في يوم ما. وهذا شيء يعشقه الغرب كثيرا.
يقودنا كل ذلك في المجمل الى النتيجة التي اريد الوصول اليها، وهي ان العالم الغربي، وبعض رموزه الدينية والسياسية لم تتردد في انتقاد امريكا، واظهار نوع من التعاطف المبطن مع رجل مات اعزلا أمام جيش من المهاجمين، في حين يعجز انسان واحد في الشارع العربي عن التعبير عن رأيه، في مقتل بن لادن صراحة، دون ان يخشى من رقيب هنا او هناك.
لن أقول ان كل الشارع العربي متعاطف مع بن لادن، لكني أجزم ان أكثرهم كذلك، مع هذا لن تجد من يقولها صريحة جريئة quot;رحم الله الرجلquot; او من يقول quot;انه مجاهدquot;.
أنا شخصيا اراه رجلا صاحب فكر وقضية، لكنه اخطأ الطريق كثيرا. ولست أقول عنه، وقد قتل، سوى شيء واحد quot;إن له من الله ما يستحقهquot;.


[email protected]