الأهم من متابعة امتداد حركة التظاهرات والاحتجاجات في العالم العربي هو دراسة اسبابها.
قد يرى البعض ان السبب ينحصر في الظلم والفقر وانعدام الأمل امام هؤلاء الشباب. كل ذلك صحيح. لكن في رأيي ان الشباب العربي الذي ادرك بعض quot;عجائزquot; السياسة العربية وجوده فجأة وحقه في الحياة فجأة وانسانيته فجأة، هو أذكى من كل ما كان هؤلاء quot;الختايرةquot; يوهموننا به. فقد عمل اكثرهم على معاملة الشباب كأطفال لم يبلغوا سن الحلم بعد، وتلاعبوا على العالم كله بقصة الفوضى والقاعدة والقبيلة.
لقد كان الشباب منسيا دون ان يدرك quot;الختايرةquot; انهم يتطورون، بل ودون ان يدرك المنسيون نفسهم انهم يتطورون وهم يستمدون بقائهم من الحلم. فاستخدموا ما بين يديهم من تقنية وتكنولوجيا ليعيشوا الحلم وهم في quot;زنقاتهمquot; وشوارعهم المتربة والعطنة.
لم يكن ظلم الشباب وتطور فكرهم هو ما حرك الاحداث القوية في المنطقة. فليس الشباب وحدهم من عانى الظلم، والفقر لم يكن حكرا على أحد. من أجل ذلك عندما فتحت أبواب الاصلاح على مصراعيها وابواب الخزائن على مصراعيها، لم تحصد كل تلك المحاولات ابتهاج الشباب ولم تمتص رغبتهم في التغيير.
لماذا أخفقت برامج الاصلاح المادية العاجلة والقوية والعميقة في ان تمتص ثورة الشباب طالما ان ثورتهم هذه قد أتت بسبب الظلم والحاجة؟
ليس السبب هو في فوات أوان الاصلاح، فالاصلاح لا أوان يتقدم فيه او يتأخر.
في رأيي ان الشباب العربي، ومع ما اثبته من تطور وانفتاح على العالم، وتواصله مع كل ما يحدث في القريب والبعيد، ما عاد يملك خصومة أو محبة مع اصلاح مالي او سياسي بل ان خصومته تكاد تنحصر في رفضه ان تصبح ارزاقه وحياته وكينونته رهن إرادة شخص واحد فقط او قلة اشخاص.
هؤلاء الشباب لا يريدون مالا، او عملا، او زوجة ومنزل، بل يريدون ان لا يتحكم أنسان واحد أوحد في مستقبلهم ومستقبل ابنائهم. لقد اسقطوا بن علي واصروا على ان يرحل كل النظام، وفعلوا الشيء ذاته في مصر، وسيتكرر السيناريو عاجلا او آجلا مع دول أخرى.
لم تكن تونس سيئة الى هذا الحد. ولم تكن مصر سيئة الى هذا الحد. ولم تكن ليبيبا سيئة إلى هذا الحد. بل اكاد اجزم ان اي من هذه الدول الثلاث تمعت بوضع افضل من كثير من الدول العربية الاخرى، مع هذا ثار الشباب ليس لأنهم يبحثون عن مال سرق منهم بل لأنهم باتوا على درجة من الوعي ليرفضوا ان تصبح مصائرهم رهينة مزاج انسان واحد فقط.
عليه فإن الإصلاح الحقيقي لن يحققه المال وحده، ولا رفع الظلم وحده، بل المساواة في المعاملة والمشاركة في القرار.
- آخر تحديث :
التعليقات