لعل الدور الذي لعبته المؤسسة الدينية في العالم العربي برز كأكثر ادوارها سلبية امام إرادة الشارعين التونسي والمصري كمنوذجين لباقي العالم العربي كما أثبتت الأيام الأخيرة.
لست محللا سياسيا حتى اقول أني مع ثورة الشعوب أو ضدها.. او ان هذا افضل من ذاك، ولست ايضا ضد العبث بالأمن وتهديد الآمنين، لكني مع حرية الناس وإرادتها، وهو ما لم تحرص عليه المؤسسة الدينية خوفا من غضبة المؤسسة السياسية ومداهنة لها.
بعض اعضاء الأزهر افتى بحرمة الانتحار. علماء دين من السعودية وحتى المغرب فعلوا الشيء ذاته وساقوا حديثا تلو آخر وآية تلو آية حول عقوبة المنتحر. لكننا نعلم اليوم ان ما يقولون لا علاقة له بحلال أو حرام، إنما هو الخوف من مصير تونس، ومن ثم الخوف على مناصبهم.
يطلبون ان يصبر الانسان ويحتسب على الظلم الذي يعيشه بدل الانتحار. أي ان نتعايش مع الظلم، بل ونرضى به. أين العدل الذي يطالبون به إذا، وأي امانة سماء تلك التي يحملونها؟
هل عانت المؤسسة الدينية من البطالة والفقر كما عانى بقية الشارع؟
هل رأيتم ابن رجل دين يبحث عن وظيفة؟
المؤسسة الدينية اثبتت في الأحداث الأخيرة أنها ابعد ما تكون عن فكر الشارع، وارادة الشارع، ومعدة الشارع.
هناك غطاء سياسي يحميها ولو كان ظالما. وغطاء اقتصادي يتخم جيوبها يدفعها الى الصمت، وقد صمتت بالفعل ردحا طويلا، وعندما نطقت تمنينا لو بقيت صامتة.
كتبت أكثر من مقال أقول فيه ان ما نحتاج اليه في العالم العربي ليس الاصلاح السياسي او الاجتماعي او الاقتصادي، بل الاصلاح الديني أولا هو ما نحتاجه.
لن يستقيم حال المجتمع بمؤسسة دينية تسير كيفما يريد لها الحاكم لا كيفما يريد الله تعالى. ولن يتطور مجتمع مربوط الى الوراء بعمائم هرمة تسلب الحق في التفكير أو حتى الانتحار تحت وطأة فقر لم يعرفوه، وفاقة لم يعيشوها، وظلم لم يقعوا تحته.
أنا ضد الانتحار ولا شك، لكني لست متأكدا ان كنت أقدم عليه لو واجهت ظروفا مشابهة لمن اقدم عليه. وهذا ما لم يفهمه احد من المؤسسة الدينية لأنه بكل بساطة يعيش في الأعلى فلا يرى ما يحدث في الأسفل.
للجماهير الحق فيما إدارة نفسها دون وصاية سياسية تفكر عنها، وبالمثل ليست هي في حاجة الى وصاية دينية تحاسبها نيابة عن الله وتقرر لها ماذا تأكل وكيف تصلي وكيف ترضى بالقهر الذي استعاذ منه رسولنا عليه السلام عندما قال quot;اعوذ بالله من قهر الرجالquot;..
سأكون متطرفا بعض الشيء وأقول.. لو خيّرت فأنا مع بقاء معظم الحكام العرب، لكني لست مع بقاء مؤسسة دينية تدعو الناس الى قبول الظلم والرضى به، فأنا قد أفهم بطشة السياسية لمنافسيها، لكني لست أفهم إدعاء رجال الدين أنهم أتقى وأقرب الى السماء وهم أبعد ما يكونون عن ما يحدث على الأرض. ليبقى الحكام فلا بد من حاكم ما في نهاية الأمر.. لكن ما حاجتنا الى رجال دين يأمرون بالذل وينهون عن العدل؟

هاني نقشبندي
[email protected]