فيصل الشيخ
القائمة بأعمال السفير الأمريكي في البحرين قالت وبشكل واضح في برنامج ''كلمة أخيرة'' بأن الولايات المتحدة تصنف ''حزب الله'' اللبناني على أنه منظمة إرهابية. ما يعني أنها تتحدث عن ثوابت سياسية موجودة في الفهم الأمريكي، وأمور يعرفها الرئيس الأمريكي باراك أوباما قبل أصغر مسؤول في البيت الأبيض وما يتفرع منه. باعتبار أن أوباما يعرف حزب الله ويعرف من يكون حسن نصر الله أمينه العام، ويدرك تماماً تركيبة هذا الحزب، ودوره في شأن الصراع الشرق أوسطي، لابد وأنه يعرف تماماً أنه الذراع العسكري للنظام الإيراني صاحب الأطماع التوسعية في المنطقة. نتساءل هنا، لو أن الولايات المتحدة كشفت مخططاً يستهدف أمنها القومي، يضطلع به عناصر من الداخل الأمريكي تحركهم توجيهات حزب الله، ماذا ستكون ردة فعلها؟! هل ستقول بأن العناصر الداخلية الأمريكية، وإن كانت محسوبة على تيارات وأحزاب مرخصة، بأنها عناصر تمارس حقها الديمقراطي في التعبير عن الرأي والرأي الآخر بحيث تصل لمستوى المطالبة بإقالة الرئيس وإحلال نظام حكم آخر يدين بالولاء لحزب الله ومن يقف خلفه؟! نؤمن بأن الأمريكان الذين تواجد منهم عناصر في جلسات محاكمة المتهمين في التخطيط للانقلاب على النظام في البحرين، يعرفون أكثر مما يعرفه البحرينيون أنفسهم، بل يعرفون أكثر منا ومن بعض المسؤولين في البلد بشأن ما تمضي إليه البحرين، وماذا كان يستهدف البحرين، ومنذ متى كان المخطط يُعد له. إن كانت الولايات المتحدة تريد أن تقنعنا بأنها لا تعرف سلفاً ما كان سيحصل في البحرين، وما هي نوعية الحراك على الأرض في فترة الأزمة، فإننا نقول لها هنا: اسمحوا لنا، ''صعبة نبلعها''، فالأمريكان يملكون أقوى جهاز استخباراتي يعرف دقائق الأمور ليس على مستوى الولايات المتحدة فقط، بل على مستوى أي دولة من دول العالم لو أرادوا هم. وعليه، لابد وأنه نما إلى علم الأمريكان قبل البحرينيين، ما حصل لحسن مشيمع حينما ذهب إلى لبنان، وأنهم كانوا يعلمون بأنه التقى أمين عام حزب الله، وبالتأكيد يعرفون بتفاصيل ما دار معه من أمور، هي أصلاً توجيهات لكيفية إدارة الأمور بشأن مخطط الانقلاب في البحرين، بل أجزم بأنهم يعرفون تفاصيل التوجيهات التي وجهت عبر وسائل الاتصال للمنفذين على الأرض هنا، خاصة الأمر الذي وجه لهم للانسحاب السريع من المرفأ المالي لأنها خطوة من شأنها إفساد مسرحية الإيهام بالحراك السلمي، وستؤثر على الأطراف الخارجية التي كان بعضها يرى (ومازال بعضهم) بأن الحراك سلمي ومدفوع بمطالب مشروعة. إن كان الأمريكان سيقولون بعكس ما نقول، وأنهم ''آخر من يعلم''، فستكون مسألة صعبة التصديق، خاصة وأنه انتقاص من قدرات القوة العالمية الأولى التي يمكنها فعل ما تشاء وقتما تشاء وبالكيفية التي تناسبها دون وضع اعتبار لأي جهة حتى لو كان مجلس الأمن أو الأمم المتحدة يصرخان بأعلى صوتهما بالرفض. هم يعرفون كل ذلك، رأوا بأعينهم كيف كانت سابقاً ترفع أعلام حزب الله في البحرين، وكيف كانت ترفع صور الرموز الإيرانية، ويدركون تماماً طريقة تغيير الاستراتيجية برفع أعلام البحرين بدلاً من الأعلام الصفراء فيما حصل في شهري فبراير ومارس، بل يعرفون تماماً ما يعنيه تغيير شكل العلم البحريني. اللعب بمصائر الدول والشعوب حسبما تقتضيه المصلحة، وهي السياسة الأمريكية الأثيرة المعتمدة في أي تحرك، مسألة فيها من انتهاك حقوق الإنسان الكثير، إذ من غير المقبول أن ''تكيف'' الدول وتحدد مستوى التغييرات فيها حسبما تريده الولايات المتحدة ولو على حساب الشعوب، أو المكونات الغالبة من هذه الشعوب. بالتأكيد أوصلت السفارة الأمريكية لرئيسها في واشنطن استياء كثير من البحرينيين من خطابه الذي ساوى فيه الضحية بالجلاد، بل غلب موقف الجلاد ونسي الضحايا وحقوقهم، في الوقت الذي كان هو أول المدافعين عن حقوق مواطنيه ورعاياه، ومنح نفسه كل الحق في الوصول لأي شخص يمثل تهديداً عليهم وقتله دون محاكمة أو حوار، على عكس ما يريد أن تفعله البحرين بمن سعى بوجه صريح لقلب نظام الحكم، ووصل بمستوى الإرهاب الذي مارسه إلى القتل. السيد أوباما يعرف تماماً من يكون حسن نصر الله، ويعرف تماماً أن عدداً من المحرضين هنا لديهم تواصل وثيق معه، بل يأخذون أوامره منهم، ويدرك تماماً وجود ضلع إيراني في كل ما حصل، ورغم ذلك مازال الخطاب الذي يصدر عنه لا ينصف الحقيقة في البحرين. ألم نسأل ألف مرة بأنه لو حصل ما حصل في البحرين كان هناك في واشنطن، كيف سيتصرف الرئيس أوباما؟! وما هو رأيه لو تم قتل رجال الشرطة الأمريكيين دهساً وبلا رحمة مثلما حصل لدينا؟! إن كان من يهدد الأمن القومي وبسببه قتل أناس وسقط ضحايا يستوجب أشد العقاب، لماذا تطبق الولايات المتحدة هذا المبدأ وأحياناً بدون محاكمات، في الوقت الذي تريد فيه من البحرين أن تتسامح مع من أرهب الناس وقتلهم، وكأنهم لم يفعلوا شيئاً؟! أنتم لم تتحاوروا مع أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة باعتبار أن له وجهة نظر حاله كحال من لديه وجهة نظر عندنا هنا، مثلما تقولون أنتم! بل كان توجيه الرئيس أوباما واضحاً لجنوده بأن ينفذوا العملية بهدف القتل لا القبض عليه، باعتبار أنه مصدر تهديد لسلامة الأمريكيين، رغم وجوده في كهوف أفغانستان! السؤال هنا: لماذا قتلتم بن لادن دون إجراء أية محاكمة ''عادلة'' له؟! لسنا ضد العدالة وأن يعاقب من يرتكب الإرهاب، وما حصل في الحادي عشر من سبتمبر مسألة مرفوضة تماماً، لكن الاستغراب هنا، بأنكم تدعون لأمور أنتم من الاستحالة أن تطبقوها لو مست أمنكم، حتى لو كانت بالنوايا فقط!
التعليقات