سركيس نعوم

الأوضاع السياسية اللبنانية الراهنة لن تبقى على حالها في رأي مصادر ديبلوماسية غربية مطلعة. فرئيس الحكومة الجديدة نجيب ميقاتي لن يقبل بعد اسابيع او اشهر من quot;تقليعquot; حكومته ان تكون quot;رئاسته الثالثةquot; صورية. فهو نظرياً يتمتع مع رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والزعيم الدرزي الابرز وليد جنبلاط بما سُمِّي في الحكومة السابقة quot;الثلث المعطلquot;. ومن شأن ذلك اعطاؤه كلمة مهمة في سياسات مجلس الوزراء وقراراته المتنوعة. لكن عملياً لا وجود لهذا الثلث رغم الحديث اليومي لقادته عن القواسم المشتركة التي تجمعهم ومنها quot;الوسطيةquot;، ومنها ايضاً عدم استعداد ميقاتي لخسارة رصيده الاسلامي السنّي الذي أوقع نفسه بسبب حرصه عليه في تناقضات كثيرة. وإذا كان quot;تسامُحquot; القادرين في الحكومة بل في الغالبية النيابية حال دون محاسبته على هذا التناقض، فإن التطورات المتوقعة في المستقبلين القريب والمتوسط لا بد ان تدفعهم الى quot;ايقاظهquot;، وتالياً الى تعريفه بـquot;التزاماتهquot; ومطالبته بالوفاء بها تحت طائلة المسؤولية. ومنها ثالثاً، عدم قدرة جنبلاط على الاستمرار وسطياً رغم ان رغبته في ذلك كبيرة جداً. إذ ان الوسطية تخفف النقمة التي اثارها عليه عند السنّة وقسم من المسيحيين وحتى في الاوساط الدرزية انقلابه على حلفاء الامس. كما ان من شأنها مساعدته وفي حال عادت اسهم هؤلاء الى الارتفاع على ترتيب عودته الى صفوفهم. ومن القواسم المشتركة رابعاً ان وسطية الرئيس سليمان لا يُعتدُّ بها بل ليست موجودة. والموجود عنده فقط هو الاستمرار بحد ادنى من المشكلات ربما بسبب افتقاده وسائل المواجهة.
الى ذلك تعتقد المصادر الديبلوماسية الغربية المطلعة نفسها ان حكومة ميقاتي ستجد نفسها في وقت غير بعيد تواجه استحقاقات المحكمة الخاصة بلبنان وابرزها ثلاثة: تمويل هذه المحكمة وسحب القضاة اللبنانيين فيها وفك الارتباط رسمياً بين دولة لبنان وبينها عبر الغاء البروتوكول الذي ينظّم علاقتهما لعيوب دستورية وقانونية فيه. ولا تشك الغالبية النيابية الجديدة التي تنتمي اليها الحكومة المذكورة بقيادة quot;حزب اللهquot; وفريق 8 آذار وبرعاية سوريا وايران في ان رئيسها سيفي بالتزاماته المتعلقة بـquot;المحكمةquot;، والتي سمعها منه كبار هؤلاء قبل تكليفه وتأليفها. لكن المصادر المشار اليها اعلاه تشك في ذلك اعتقاداً منها ان ميقاتي سيوازن في نهاية الامر بين ما يكسبه من البقاء رئيساً واجهة لحكومة غيره واحتمال خسارته دعم طائفته وquot;حلفائهquot; او اصدقائه الاقليميين والدوليين. وهذا فضلاً عن احتمال انعكاس موقعه سلباً على quot;اعمالهquot; المزدهرة. انطلاقاً من ذلك كله ترى المصادر نفسها ان ميقاتي سيتخذ فور دخوله المأزق المشار اليه قراراً بالتخلي عن الحكومة. وقد يكون ذلك بالاستقالة رسمياً في بيروت او بـquot;الاستقالة عن بعدquot; اذا جاز التعبير على هذا النحو في حال وجد ان في quot;الاستقالة عن قربquot; اخطاراً جدية عليه.
هل الاعتقاد المفصّل اعلاه للمصادر الديبلوماسية الغربية المطلعة في محله؟
هي تتمسك به. لكن متابعي الاوضاع اللبنانية وتشعباتها وخلفياتها لا يعتقدون ان الخروج من quot;الحمّامquot; اي من الحكومة quot;زي دخولهquot; على ما يقول اخواننا المصريون. غير انهم يضيفون ان موقفاً نهائياً لميقاتي من هذا الموضوع يرتبط بأمور اخرى كثيرة غير الواردة اعلاه منها الموقف الفعلي للممسكين بالحكومة وفي مقدمهم quot;حزب اللهquot;. وفي هذا المجال يقول هؤلاء ان الحزب لن يسرّه خروج ميقاتي من السلطة، لكنه في الوقت نفسه لن يدب فيه الهلع بسببها. فهو يطمئن الى الحكومة الميقاتية. لكنها ليست حكومته. وقد يعطيه تخلّيه عنها المؤدي الى استقالتها الفرصة لتأليف حكومته، علماً انه يفضّل ان تبقى حكومة ميقاتي لإنجاز الكثير من الامور الداخلية والاخرى المتعلقة بالمحكمة. ذلك ان مهمة حكومته الخاصة ستكون إقامة دولة الحزب او بالاحرى اقامة دولة لبنانية يرى الحزب نفسه فيها. واذذاك لا تعود هناك مشكلة quot;سلاحquot; لأن سلاحه سيصبح سلاح هذه الدولة. الى ذلك كله يعتقد هؤلاء ايضاً ان quot;حزب اللهquot; اعدّ نفسه منذ بدء انتفاضة شعب سوريا لاحتمالَيْ نجاحها او فوز النظام عليها. وفي الحالين quot;سيقبضquot; على البلاد والمؤسسات في صورة نهائية، إلا اذا حصلت مفاجآت جعلت الحزب مثل الفلسطينيين يتخبط كاملاً في حرب داخلية، وينسى quot;مقاومتهquot; الفعلية ولا يبقي منها إلا العنوان والغطاء.