حمد الماجد وروزانا بومنصف : نهاية القذافي بين ليبيا وسوريا

حمد الماجد

انتصارات ثوار ليبيا ترعب نظام الأسد
الشرق الأوسط
تبدو الانتصارات الساحقة الأخيرة للثورة الشعبية الليبية مثل حبات المسبحة التي انفرطت فجأة، أو هي في معسكر القذافي مجموعة من الانهيارات: انهيار لقوات الكتائب التي غزاها الثوار في عقر دارهم طرابلس، وانهيار للمعنويات وصل إلى الحلقة الضيقة اللصيقة بمعمر القذافي، وحتى لو لم تسقط طرابلس خلال الأيام المقبلة تظل الانتصارات الميدانية التي حققها الثوار في المدن النفطية الاستراتيجية، مثل البريقة والزاوية، ووصولهم إلى مشارف طرابلس وسيطرتهم على بعض أحيائها غاية في الأهمية على الأقل لنسف نظرية أن الصراع بين الثورة الشعبية الليبية والقذافي قد وصل إلى طريق مسدود، التي تبناها عدد من المحللين.
الجانب الأكثر أهمية لانتصارات الثورة الليبية الأخيرة هو تأثيرها الإيجابي على laquo;إنضاجraquo; الثورة الشعبية السورية؛ فقد ألهمت هزائم الثوار الليبيين السابقة في عدد من المعارك أمام كتائب القذافي وقدرة الكتائب على استعادة بعض البلدات التي كان الثوار قد سيطروا عليها نظام سوريا.. أسهم هذا الوضع المحبط في بعث الأمل في حكومة بشار الأسد، فراهنت على اليأس الذي سيتسرب للتحالف الغربي في مناصرة الثورة الشعبية السورية.. إذن فالتغير الدراماتيكي لصالح كفة الثورة الشعبية الليبية سيحدث بالتأكيد تغييرا إيجابيا على الساحة السورية، بالمختصر المفيد الرعب الذي اختلج القذافي مع تسارع انتصارات الثوار الليبيين شاركه فيه رموز النظام السوري، والثوار الليبيون حين طرقوا أبواب طرابلس سمع بشار صداها جيدا.
اللافت أن مسبحة انتصارات الثورة الشعبية الليبية كرت معها أيضا عددا من القيادات التي كانت الساعد الأيمن للقذافي، وآخرهم عبد السلام جلود، الذي ألقى كلمة ثورية باهتة في محتواها وبليدة في توقيتها، حتى صورها البعض بأنها مثل الهدف الذي يسجله اللاعب بعد صافرة نهاية المباراة؛ إذ لا نتصور أن الثوار الليبيين سيقبلون هذه التوبة الفرعونية laquo;حتى إذا أدركه الغرق قال آمنتraquo;، وحتى لو قبلها البعض كما قبل الرسول صلى الله عليه وسلم مسلمة الفتح أو أخذا بقاعدة laquo;هل فتشتم عن قلبه؟raquo;، فالمفترض أن يتنحى laquo;مسلمة الفاتحraquo; للصفوف الخلفية في المرحلة الانتقالية التي تعقب سقوط القذافي ونظامه، فسقوط 20 ألف ليبي ما بين شهيد وجريح، وولوغ عدد من رموز القذافي السابقين في الجرائم التي ارتكبها ضد شعبه، يجعلان من إشراكهم في القرارات المصيرية المقبلة إهانة للشعب الذي عانى حقبتهم وفسادهم.
بل إن تنحية رموز القذافي التائبة للصفوف الخلفية مهمة أيضا، لوحدة مكونات الثورة الليبية، ولليبيين في مقتل اللواء عبد الفتاح يونس عبرة، فإن صدقت الرواية التي تقول إن مجموعة مسلحة من الثوار قررت تصفيته بسبب مسؤولياته السابقة عن قتل وتعذيب معارضين ليبيين عندما كان وزيرا لداخلية القذافي، فإن هذا من شأنه أن يفت في عضد الثورة الشعبية. فلو تكرر laquo;تنصيبraquo; رموز القذافي المنشقين عنه فاحتمالية تكرار سيناريو اغتيال يونس واردة، عندها سيبدو للعالم وكأن الثورة الليبية بدأت تأكل أبناءها. نحن لا ندعو إلى تخوينهم ولا إقصائهم، لكننا نحذر فقط من تنصيبهم وتقديمهم للصفوف الأمامية. وباب التوبة مفتوح، المهم أن يقبل الثوار توبة رموز النظام السابق ما لم يغرغر القذافي.
حلفاء دمشق يميّزون بين النظامين السوري والليبي
انهيار القذافي يوسّع الدعم الدولي للمعارضات
روزانا بومنصف
النهار اللبنانية
يحبس سياسيون في لبنان انفاسهم ازاء تطورات الايام الاخيرة في ليبيا من حيث امكان تأثيرها في حال نجاح الانتهاء من النظام الليبي على التطورات في المنطقة على صعد عدة ومن بينها تطورات الانتفاضة السورية ايضا. اذ دأب بعض السياسيين والمراقبين الديبلوماسيين في بيروت في الاشهر الاخيرة على ربط تصاعد الموقف الدولي من الاوضاع في سوريا بما يجري في ليبيا باعتبار ان هناك احراجا في خوض الغرب معركة مع الثوار في ليبيا، من اجل اطاحة الرئيس معمر القذافي فيما يفتح جبهة اخرى في الطلب الى الرئيس السوري بالتنحي. وقد تزايدت المعلومات في الاسبوع الماضي التي تشير الى تقدم الثوار الليبيين في مناطق سيطرة القذافي لكن من دون ان تذهب اي من الدول الغربية المعنية الى المجاهرة صراحة بذلك علما ان المسؤولين الاميركيين كما الاوروبيين دأبوا على تكرار مقولة ان ايام القذافي باتت معدودة لكن من دون ان تنتهي فعلا. وهذه العبارة تكررت في الايام القليلة الماضية بالتزامن مع المعلومات عن التضييق على قوات القذافي وخسارتها امام الثوار بما سمح على الارجح وفق معطيات لدى المراقبين الديبلوماسيين للدول الغربية ان تخطو الى الامام في توجيه الرسالة الاساسية المتعلقة بضرورة تنحي الرئيس السوري.
وبحسب هؤلاء المراقبين فان حسم الوضع في ليبيا على النحو المتوقع وازاحة القذافي نهائيا سيعطي الدول الغربية زخما اكبر على صعد عدة بينها ما يمكن ان تستفيد منه لجهة انها ساعدت بقوة في حسم الموقف وقد تكللت هذه المساعدة بالنجاح بعد استنزاف بات يهدد الدول المتورطة فيه في الدخول في ازمات سياسية داخلية تنعكس على شعبية الحكام فيها لا سيما في الولايات المتحدة وفرنسا كما يهدد صدقيتها وقدرتها امام الخارج. لذلك فان الانتهاء من هذا الموضوع سيشكل تطورا مفصليا ستحاول هذه الدول استثماره سياسيا على اكثر من مستوى من بينها ان الاجماع الدولي مهم في توجيه رسالة قاسية وداعمة للانتهاء من استنزاف قاتل عاناه الشعب الليبي وكان يمكن تجنبه لو لم تقم دول اخرى حسابات اطاحت هذا الاجماع. وهي الرسالة التي سيسعى الغرب الى استخدامها في وجه روسيا ودول اخرى لا تزال تمانع مطالبة الرئيس السوري بالتنحي الامر الذي قد يسبب وقوع المزيد من المآسي على ما يقول المراقبون الذين شكلت الايام القليلة الماضية ذريعة في ايديهم لجهة الضحايا الذين سقطوا في سوريا على اثر دفاع روسيا عن النظام وعدم مطالبته بالتنحي.
كما يمكن ان تستفيد من هذا التطور شعوب اخرى في المنطقة من حيث الرسالة التي يمكن ان تتلقفها وهي ان عليها المثابرة من اجل النجاح على رغم التضحية التي يمكن ان تقدمها ولمدة طويلة تماما وفق ما فعل الشعب الليبي. ومفاد ذلك في اطار الازمة السورية الراهنة التي شهدت ولا تزال فصولا يشبهها مراقبون كثر بما يحدث في ليبيا لجهة قمع النظام لمعارضيه الذين باتوا مطالبين برحيله، ما يصيبها لجهة الامرين معا اي ان الدول الغربية التي طالبت الاسد الاسبوع الماضي بعد فترة سماح طويلة لم يحظ بها القذافي بالتنحي ستلقى في انتصار ثوار ليبيا زخما يسمح لها بالتشدد في صوابية رأيها وفي تطلع شعوب المنطقة اليها من اجل مساعدتها ان لم يكن عسكريا فمعنويا او لوجستيا او سوى ذلك. ويمكن الدول الغربية في ضوء انتهائها من معمعة ليبيا العسكرية ان تسمح لنفسها بامكان التهديد بمساعدة المعارضة في اماكن اخرى ولو لم تكن هذه المساعدة عسكرية. كما ان نجاح الثوار الليبيين في الانتهاء من القذافي ودفعه الى الرحيل مع عائلته او ايا يكن المخرج الذي سيتم تأمينه له او في حال التخلص من القذافي بأساليب اخرى سيعطي المعارضين السوريين زخما ودفعا قويين من المنطلق نفسه الذي انطلقت فيه الانتفاضة في سوريا اي بناء على النجاح الذي حققته الانتفاضتان المصرية والتونسية وسمحتا باعطاء الضوء الاخضر للشعوب العربية الاخرى بوجود امكانات مماثلة لديها للثورة على الانظمة السياسية التي تحكمها ايضا.
على ان بعض حلفاء دمشق في لبنان ممن يرحبون بزوال النظام الليبي يتحفظون عن اقامة اي صلة بين النظامين لجهة احتمال ان يسري على النظام السوري ما سرى على النظام الليبي في ظل اقتناع بان سوريا غير ليبيا على عكس المقارنة التي يجريها الغرب بين البلدين لجهة التماثل بين النظام السياسي في كليهما وان الرئيس السوري هو على طريق معالجة التحديات التي يواجهها بجدية واستدراك ما جرى امنيا وعسكريا بشق اصلاحي سيأخذ مداه سريعا بحيث ينزع من ايدي الدول الغربية الداعمة لرحيله اي ورقة تعزز هذا المطلب في حين يتخذ هؤلاء ما حصل في البحرين نموذجا اقرب يرونه قيد التطبيق في سوريا منه الى النموذج الليبي.
الا ان مصادر ديبلوماسية وسياسية عدة لا ترى تمييزا حقيقيا بين النموذجين الليبي والسوري وان كانت تأمل ان يشكل مآل الازمة الليبية دافعا الى مسارعة النظام السوري الى معالجة جذرية حقيقية وفعلية تنأى بسوريا عن المآل نفسه الذي تواجهه ليبيا.