Victor Kotsev

لقد انتهى فصل العنف على الأرجح في شبه جزيرة سيناء لكنه سلط الضوء على أزمة أمنية، وكانت تداعياتها تتراكم منذ الإطاحة بالرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، وسرعان ما تفاقمت هذه الأزمة بفعل الحرب في ليبيا، إذ يُقال إن الحكام العسكريين المصريين زادوا المشكلة سوءاً بسبب محاولاتهم إضعاف الإخوان المسلمين.
عُقدت هدنة صعبة بين إسرائيل والفصائل المقاتلة في غزة، وبدأت تأخذ مفعولها تدريجاً منذ يوم الأحد، بعد أيام عدة شهدت أعمالاً عدائية مكثّفة وسقوط الضحايا من الجانبين.
لقد انتهى فصل العنف على الأرجح لكنه سلط الضوء على أزمة أمنية في شبه جزيرة سيناء، وكانت تداعياتها تتراكم منذ الإطاحة بالرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، وسرعان ما تفاقمت هذه الأزمة بفعل الحرب في ليبيا، إذ يُقال إن الحكام العسكريين المصريين زادوا المشكلة سوءاً بسبب محاولاتهم إضعاف الإخوان المسلمين. وعلى الرغم من استمرار جهود الجيش في مجال تمشيط سيناء من الإرهابيين، فإنه من المستبعد أن تستعيد المنطقة هدوءها قريباً.
تصاعد التوتر بين إسرائيل وعدد من جماعات غزة يوم الخميس، بعد أن عبرت جماعة من المقاتلين (بين 15 و20 عنصراً بحسب التقديرات الإسرائيلية) الحدود مع مصر في سيناء، بالقرب من بلدة إيلات الإسرائيلية، وأطلقت سلسلة من الاعتداءات المنسّقة التي أسفرت عن قتل ثمانية إسرائيليين وجرح أكثر من أربعين آخرين.
استعمل المقاتلون مجموعة متنوعة من الخطوات التكتيكية، فأطلقوا النار بالمسدسات، وقذفوا الصواريخ المضادة للدبابات على حافلتين تحملان المدنيين وعلى عدد من السيارات، وفجروا سترات انتحارية، وزرعوا قنابل على جانب الطرقات، ونصبوا الكمائن ضد قوى الأمن الإسرائيلية التي وصلت إلى ساحة الاعتداء.
دامت الاشتباكات بضع ساعات، وشمل الضحايا الإسرائيليون أحد كبار القناصة في الشرطة وجندياً وستة مدنيين. كذلك، قُتل سبعة من المقاتلين، وأشارت التقارير إلى أن اثنين منهم قُتلا خلال الاشتباكات مع الجيش المصري بعد أن عبرا إلى سيناء، وفي الجهة المقابلة، قُتل خمسة جنود مصريين في الاشتباكات وثلاثة آخرون على الأقل بسبب النيران الإسرائيلية.
سرعان ما تحولت هذه الحادثة إلى فضيحة دبلوماسية كبرى بين البلدين، وعلى الرغم من اعتذار إسرائيل من مصر، لا يزال التوتر قائماً في العلاقة الثنائية. بحسب التقارير، وحده تدخل الحاكم العسكري المصري الأعلى، الذي تجاوز قرار رئيس الحكومة، منع سحب السفير المصري من إسرائيل. سارعت إسرائيل إلى لوم فرع لجان المقاومة الشعبية في غزة- وهي جماعة فلسطينية مقاتلة- على الاعتداءات، وعلى ما يبدو، كانت الاستخبارات الإسرائيلية تعرف بشأن الاعتداء الإرهابي المقبل من أعضاء لجان المقاومة الشعبية الذين كانوا يخططون للتسلل من غزة إلى سيناء، ومن هناك إلى إسرائيل.
صحيح أن الإسرائيليين تفاجؤوا بتوقيت الاعتداء وبالطريق التي سلكها الإرهابيون للتسلل، إلا أنهم كانوا قد نشروا قوة أمنية كبيرة في المنطقة أصلاً وكانوا يستطيعون إطلاق رد سريع، وكانت تلك الخطوة ستقلص عدد الضحايا برأي البعض.
يكشف المحلل الإسرائيلي عمير أورين عن بعض التفاصيل الأخرى المتعلقة بالاعتداء ويوجه أصابع الاتهام إلى مصر أيضاً:
لم يحدث أي خطأ استخباراتي، بل وقع الخطأ على مستوى تقييم العملية، إذ اعتبرت القيادة الجنوبية أن الخلية كانت ستدخل إلى إسرائيل من نقطة معينة على طول الحدود بين المواقع المصرية، لا تحت أنظار المراقبين في تلك المواقع. وتوقعت قوات الدفاع الإسرائيلية أن تحاول الخلية التسلل ليلاً، لا في وضح النهار، وأن تستهدف موقعاً عسكرياً في محاولة لاختطاف جندي.
لم تتضح جميع التفاصيل المتعلقة بالاعتداء بعد، لكن يشير الرد الإسرائيلي إلى حصول اختراق استخباراتي عميق في لجان المقاومة الشعبية، فبعد ساعات على الاعتداء، قضت الطائرات الإسرائيلية على القيادة العليا للجماعة بضربة واحدة استهدفت منزلاً في غزة كان يُستعمل كمقر لها على ما يبدو.
بعد ذلك، شهد المكان أعمالاً عدائية مكثفة، لكن لفترة وجيزة، ثم أعلنت ldquo;حماسrdquo; التي تسيطر على غزة أن الهدنة مع إسرائيل انتهت. صحيح أنها امتنعت عن إطلاق النار، إلا أنها سمحت لجماعات أخرى مثل لجان المقاومة الشعبية والجهاد الإسلامي بإطلاق وابل من الصواريخ على جنوب إسرائيل.
نقل الموقع الإلكتروني الإسرائيلي التابع لصحيفة ldquo;يديعوت أحرونوتrdquo; الخبر الآتي: ldquo;بحسب المسؤولين في الشرطة، كان السبت أسوأ يوم من حيث عدد الصواريخ التي أُطلقت على إسرائيل منذ ldquo;عملية الرصاص المصبوبrdquo; قبل سنتين ونصف- فقد أُطلق حينها حوالي 60 صاروخاً وقذيفة هاون خلال 24 ساعةrdquo;. قُتل إسرائيلي وجُرح عشرات آخرون، وأصيب بعضهم بجروح بالغة. فردت القوة الجوية الإسرائيلية بقصف عدد من الأهداف في غزة، ما أسفر عن قتل ثمانية فلسطينيين وجرح عدد إضافي.
وقع القتلى الإسرائيليون في مدينة بئر السبع على الرغم من الحماية التي يوفرها النظام الجديد المضاد للصواريخ في القبة الحديدية الإسرائيلية، وقد أشاد المحللون العسكريون بذلك النظام بعد اختبارات المعارك الأولى هذه السنة، فوفق تقرير صدر في الصحيفة الإسرائيلية ldquo;هآرتسrdquo;، استعمل المقاتلون في غزة خطوات تكتيكية جديدة تشمل إطلاق وابل من الصواريخ في محاولة لتجاوز ذلك النظام.
لكن بعد يومين أو ثلاثة أيام من التوتر، تبين تدريجاً أن إسرائيل وrdquo;حماسrdquo; لا مصلحة لهما في توسيع نطاق الأعمال العدائية. تتصاعد الضغوط على الحكومة الإسرائيلية كي تتجنب تصعيد الوضع بسبب ردة فعل المصريين الغاضبة بعد مقتل جنودهم، لذا أُعلن وقف إطلاق النار يوم الأحد، وعلى الرغم من عدد الانتهاكات الحاصلة (وتحديداً إطلاق الصواريخ من غزة)، يبدو أن الهدنة ستصمد.
ومع ذلك، يشير بعض المحللين إلى صعوبة التستر على واقع أن سيناء تتحول سريعاً إلى معقل للإرهاب وبدأت تخرج عن سيطرة مصر. وقعت بعض الاعتداءات في شبه الجزيرة في الأشهر الماضية، وقد استهدفت مواقع مرتبطة بإسرائيل (مثل خط أنابيب الغاز الذي تستعمله مصر لتصدير الغاز إلى إسرائيل) وضد مواقع مصرية مثل مركز شرطة في بلدة العريش.
وقع اعتداء في الأسبوع الماضي، بعد أيام على إطلاق الجيش المصري عملية كبرى لاستعادة السيطرة على شبه الجزيرة المضطربة. ربما كان الاعتداء في إسرائيل يهدف إلى تحويل الأنظار عن عملية سيناء وإلى نسف التعاون بين الجيشين الإسرائيلي والمصري.
حذر السياسيون الإسرائيليون طوال أشهر عدة من أن الوضع الأمني في سيناء تدهور منذ سقوط مبارك، وبحسب صحيفة ldquo;هآرتسrdquo;، قال وزير الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في شهر مايو: ldquo;تواجه مصر صعوبة في فرض سيادتها على سيناء، إذ تنشط المنظمات الإرهابية الدولية في سيناء ويتعزز وجودها هناك بسبب ارتباط سيناء بغزةrdquo;.
يربط البعض الوضع القائم في سيناء وغزة بالأزمة الليبية، ففي الشهر الماضي، قال نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي موشيه يعلون لوكالة رويترز: ldquo;الأسلحة موجودة في ليبيا نتيجة اضطراب الوضع هناك، وقد استغلت ldquo;حماسrdquo; الوضع لشراء أسلحة من المهربين الليبيينrdquo;.
يشير تقرير حديث صدر عن مركز ستراتفور الأميركي إلى أن غياب السلطة في سيناء هو من صنع الجيش المصري جزئياً، وينجم عن محاولة قام بها الجيش لإضعاف خصمه الأساسي، أي جماعة الإخوان المسلمين:
يواجه النظام العسكري المصري أصلاً تحدياً كبيراً في محاولته إدارة العملية الانتقالية السياسية محلياً عبر التوفيق بين جماعات المعارضة المتنوعة. تهدف استراتيجيته الراهنة إلى احتواء الإخوان المسلمين عبر السماح بنشوء أطراف إسلامية متنوعة تشمل الجماعات السلفية وتوسيع نطاق المنافسة على الساحة السياسية.
قد يكون تعزيز الانقسامات بين الأطراف الإسلامية السياسية عملية شائكة (ومسألة مقلقة جداً بالنسبة إلى إسرائيل)، لكن يجب أن تقلق مصر بدورها من الوضع وأن تمنع حصول أي تنسيق بين هذه الجماعات والفصائل المقاتلة في غزة المجاورة مثل حركة ldquo;حماسrdquo;. تتصاعد هذه المخاوف الآن نظراً إلى الفراغ الأمني في منطقة سيناء، بينما يناضل النظام المصري لإعادة فرض نفوذه على الجماعات الناشطة على الحدود بين سيناء وغزة.
بالتالي، يشكّل الغضب المصري تجاه إسرائيل جانباً ظاهرياً للتغطية على أخطاء الحكام العسكريين في مصر، لكن رغم ذلك، يبدو أن نسبة كبيرة من السكان في سيناء تثق بالجيش المصري، لذا يجب ألا تهدف العملية الرامية إلى استئصال المقاتلين هناك إلى مجرّد التستّر على مشكلة أكبر.
باختصار، بعد أن انتهى الفصل الراهن بين إسرائيل والمقاتلين في غزة على الأرجح، يمكن أن نتوقع نشوء مشاكل إضافية في سيناء ومصر في الأسابيع والأشهر المقبلة.