أحمد عبدالملك
هل يُعيد التاريخ نفسه، كما حدث عام 1948 عندما زرعت القوى الاستعمارية جسماً غريباً في أرض فلسطين بناء على وعد (بلفور) المشؤوم!؟
هل انشطار السودان إلى دولتين بداية لقلاقل جديدة في إفريقيا أو بين إفريقيا والعرب!؟ خصوصاً بعد أن شاهدنا في احتفالات الانشطار الأعلام الإسرائيلية!؟ وأن إسرائيل من أوائل الدول التي اعترفت بدولة الجنوب وأقامت معها علاقات دبلوماسية. ألا يفكر العرب للحظة أن الكماشة الإسرائيلية بدأت تتشكل حولهم!؟ وهل يا ترى لا أثر - لدخول (العقل الصهيوني) دولة الجنوب السوداني - على مجريات الأمور في الشرق الأوسط، وعلاقات الدول الإفريقية في حوض النيل مع الدول العربية التي تستفيد من مياه النيل مصر السودان ومصر؟!
أتابع حزنَ السودانيين على اقتطاع الجنوب، حيث اعتبر بعضهم أن ذلك الاقتطاع كارثة وطنية أزالت ثلث السودان عن موقعه لاعتبارات سياسية لعل أهمها إخراج السودان من العزلة الدولية، ورفع الملاحقات الدولية بحق الرئيس عمر البشير، ودعم سيطرة الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني) الذي يعتبره العديد من السودانيين قد فشل في حكم السودان لمدة 22 عاماً، لم ينقل السودانيون خلالها إلا الشعارات التي (ما بتوكل عيش)؟!
وهنالك من يطالب الرأي العام السوداني أن يفسح المجال للأكاديميين والمتخصصين لمناقشة الانفصال وتداعياته من كافة الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية، وتحديد متطلبات المرحلة القادمة وإشاعة دولة القانون في السودان والسودان الجنوبي (جمال عدوي).
في الواقع لا يمكن التفاؤل بانشطار السودان، وإقامة دولة جنوب السودان التي لا تمتلك مقومات الدولة. كما أن المشكلات العالقة مع الشمال مازالت موجودة، بل إن الخوف من انفجار مشكلات جديدة وراد، ذلك أن مشكلة (أبيي) الغنية بالنفط مازالت لم تحل (وما أكثر حروب العرب على النفط)!؟ ناهيك عن احتمالات حدوث انشطار في غرب السودان، إذا ما حلم أهلُ (دارفور) بإقامة دولة لهم. كما أن استقلال الجنوب يفرض حتميات سياسية قد تضرُّ ليس بمصالح السودان الشمالي، بل بمصالح الأمة العربية، خصوصاً إذا ما حصل تعاون عسكري وتقني بين دولة الجنوب وإسرائيل!؟ أو حصلت تحالفات جديدة حول مياه النيل، حيث من شأن ذلك أن يخنق مصر والسودان. وهذا ينذر بنشوب حرب مياه لا يمكن التكهن بمداها وآثارها. وإذا كانت دولة الجنوب تسكنها غالبية وثنية (المسلمون 18% والمسيحيون 20%) فإن هذا التمايز الطبوغرافي أيضاً سيخلق مشكلة لأهل الجنوب أنفسهم، خصوصاً في ظل النظام القبلي، وتفشي الأمية والفقر وغياب المجتمع المدني ودولة التحضر. كما أن نزاعات سياسية قد تنشب لأن الغرب قد يساعد دولة الجنوب ndash; إن أعلنت مسيحيتها ndash; حسبما كان (جون غارانق) يحلم ويعدُ الغرب، حيث صرح بأنه كان يلقى دعماً من الكنيسة والحركة الصهيونية، وأنه يهدف إلى إقامة سودان موحد (شمالاً وجنوباً) في شكل شيوعي علماني كنسي!
وبذلك يمكن أن يُحاصر السودان الشمالي، أو يزيد الغرب في عزله، في مقابل ضح المساعدات والإمكانات للجنوب!
ويتخوف البعض من أنه لو قام نظام قوي ومزدهر في الجنوب، فإن الشمال الضعيف سوف يحلو له التوحد مع الجنوب، (عبداللطيف القرني) وبذلك تزال جمهورية السودان من الخريطة العربية الإسلامية.
نحن تعودنا أن يحزن الحاكم عندما تُقتطع أراض من بلاده عنوة - سواء عبر تحكيمات دولية أو عبر حروب عسكرية - لكن الرئيس السوداني (عمر البشير) فاجأ العالم بابتساماته ولربما رقصه مع الجنوبيين عشية انفصال الجنوب من السودان، وفي ذلك رسالة واضحة للعالم - وأمريكا وأوروبا على الأخص - بأن (البشير) يريد تنقية سجله الشخصي وتنظيف سيرته الذاتية في نظر الغرب، بأن قدّم لهم ثلثَ بلاده لتكون دولة مسيحية تتحكم في مصير الشمال على المدى الطويل. وهو إن هدّد باستخدام القوة حول مسألة (أبيي) الغنية بالنفط - والتي لم تحسمها الاتفاقيات الخاصة بانفصال الجنوب، ولربما شكل ذلك رمحاً مسموماً في خاصرة السودان، ونقصَ نظر فيما يتعلق بقراءة المستقبل - إلا أنه كان يفكر بلحظته الحالية وخانهُ البعد الاستراتيجي لانفصال الجنوب.
وهكذا يلاحظ العربي والمسلم أنه بمرور الأيام تُقتطع أجزاء من بلاده الكبيرة، وتُشطر البلدان حسب قاطنيها. والأمثلة واضحة سواء في فلسطين أو البوسنة والهرسك أو الشيشان أو كشمير أو إندونيسيا. وهذا ما يدعونا حقاً إلى التفكير بنظرية (المؤامرة) ضد العرب وضد المسلمين.
الوضع في السودان يجب أن يلفت نظر الحكام العرب إلى الاهتمام بالأقليات، وعدم التفرقة بين المواطنين، ومعاملتهم ndash; على اختلاف مذاهبهم ودياناتهم وعروقهم ndash; معاملة عادلة ومنصفة كما يعاملون quot; الأفضلياتquot; لديهم!؟ وإلاّ فإن العالم كله يتربص لاقتطاع مساحات من هذا البلد أو ذاك!؟ وقد يتكالب على هذا البلد أو ذاك الجيرانُ فتذوب دولة ٌ في دولة أخرى، مثلما يتخوف البعض من انقضاض إثيوبيا على جنوب السودان والتهامه!؟
إن كل شبر من الأرض العربية يجب أن يكون عزيزاً على الحكام أولاً وعلى المواطنين ثانياً! ولكن إذا كانت هنالك حركة عالمية تعمل على إحداث انشطارات في العالم العربي والإسلامي فإن الوقت قد حان لوقفها، أو على الأقل تنحية الحكام الفاسدين الذين لا تهمهم مصالح أوطانهم ومستقبل مواطنيهم.
التعليقات