إياد الدليمي
يشكل مفهوم المقاومة في الحس الجمعي العربي حالة من التأييد المطلق الذي يأتي في الغالب من الشعور بالإحساس بالظلم والقهر من قبل المجموع الشعبي العربي والذي لا يجد في غالب الأحيان من نصير ومنقذ له سوى بالتشبث بالمقاومة، وهو ما لمسناه طيلة سنوات ماضية، شكلت فيها المقاومة على اختلاف تلاوينها، مغناطيس جذب للشعوب العربية، وبالمقابل كان هناك من يتخذ من هذا المفهوم مطية له لتحقيق أغراضه ومصالحه، فظهرت لدينا أنواع من المقاومات، تركز أغلبها على العزف على وتر العاطفة لدى الشعوب العربية المؤدية بلا حساب للمقاومة.
في سوريا على سبيل المثال، شكل مفهوم المقاومة حالة من التلاقي بين الشعب والقيادة السياسية هناك، إلا أنهما اختلفا في طريقة التعاطي مع هذا المفهوم، فبينما كان الشعب مندفعا تجاه المقاومة ومؤيدا لها بانتظار ساعة تحرير أرضه المحتلة في الجولان أولا ومن ثم البحث عن آلية لتحرير فلسطين، كانت القيادة السياسية هناك تتخذ من تأييدها الظاهري للمقاومة غطاء لسياساتها القمعية ضد خصومها المحليين، فمورست باسم المقاومة شتى أنواع القهر والقتل والتعذيب والتنكيل وقمع الحريات، حتى طفح الكيل بالشعب السوري والتحق بركب الثورات العربية ليكشف عن كذب التبني الظاهري لنظام دمشق لمفهوم المقاومة.
وذات الأمر ينطبق على حزب الله، الذي سقط منذ اليوم الأول للثورة السورية في وحل تأييده للنظام القمعي في دمشق، وأيضا من مفهوم المقاومة والممانعة التي قال إن هذا النظام يبديها تجاه إسرائيل، متبنيا أيضاً نظرية المؤامرة التي تحاك ضد هذا النظام، موقف دفع ثمنه الحزب اللبناني غاليا من خلال حالة القطيعة التي ظهرت بينه وبين جماهيره العريضة من المؤيدين.
اليوم وإزاء الموقف المتصاعد لربيع الثورات العربية وحالة الخذلان التي أصيبت بها جماهير العرب سواء لموقف حزب الله أو لموقف النظام السوري أو لموقف إيران حتى التي تاجرت بمفهوم المقاومة، بات لزاما على الجميع النظر إلى مفهوم المقاومة من منطلقات أخرى، يجب أولا أن تغيب عنها المنطلقات العاطفية على أهميتها بالنسبة لمفهوم المقاومة.
لم يعد ينفع التأييد المطلق للمقاومة دون النظر لخلفيات الجهة التي تتخذ من المقاومة مشروعا لها، ودون النظر لأيدلوجيتها أو مواقفها من مختلف القضايا حتى تلك التي لا تخص عالمنا العربي، يجب أن ينظر للمقاومة بعد ربيع الثورات العربية من منطلق الأهداف المعلنة أو تلك التي تحاول أن تتستر بها.
ولعل الأساس في مفهوم المقاومة بعد ربيع الثورات العربية أن تكون نابعة من الشعوب وليس من الحكومات أو الأحزاب التابعة لهذا الطرف أو ذاك، الشعوب العربية اليوم امتلكت زمام أمرها إلى حد مقبول، وبالتالي فإن عليها هي أن تصنع مقاومتها، لا أن تنتظر من هذه الحكومة أو تلك أن تصنعها لها، ومن ثم نقع في ذات المطب، تأييد جارف لمقاومات ما كان لها من مفهوم المقاومة سوى السعي وراء تحقيق أجندات خارجية أو مطامع شخصية أو أيدلوجيات مغرضة.
لا نريد أن نقدس هذا الطرف أو ذاك على أساس مقاومته أو ممانعته، فاليوم لم يعد ينفع الحديث عن عداء كامل للغرب والولايات المتحدة الأميركية، بعد تجربة ليبيا، اليوم نحتاج أن نعيد النظر حتى في من نعادي ولماذا، العدو ليس بالضرورة خارجي، وليس بالضرورة الولايات المتحدة الأميركية والغرب، فهؤلاء لهم مصالحهم مثلما يجب أن يكون لدينا مصالحنا لديهم، وأن نعرف مواجهتهم بذات الأساليب التي يواجهوننا بها، فليس هناك من عدو مطلق أو صديق مطلق، اللهم إلا العداء التاريخي الثابت والمتمثل بالكيان الغاصب لفلسطين المحتلة.
لا نريد بعد اليوم جماهير تقدس الزعيم الفلاني وتجلس تستمع لخطبه المقاومة وهو يحمل باليد الآخر سلاحه لقتل الشعب العربي في هذا البلد أو ذاك، لا نريد سلاح الشعب يوجه للشعب باسم المقاومة ولا مؤامرة على المقاومة كما يحصل في سوريا، وأيضا وهذا الأهم، لا نريد أن يكون هناك أحد فوق النقد بحجة أنه مقاوم وأن ظرفه يحتم علينا أن نسانده ونسكت عن أخطائه وفظائعه لأنه.. مقاوم.
لا يمكن أن تنشأ مقاومة من إنسان ممتهن الكرامة ومستعبد ومصادر الحرية، المقاومة التي نريدها يجب أن تكون نابعة من إنسان حر يملك إرادته، بعيدا عن أي قمع فكري أو جسدي.
لا نريد أن يأتي البعض راكبا موجة العاطفة الجماهيرية والحماسة والتأييد لمفهوم المقاومة، ليطلق صاروخا هنا أو يخوض حربا محدودة هناك ليبيض صفحته السوداء بعد تأييده لهذا النظام القمعي أو ذاك، نريد أولا وعيا شعبيا بمفهوم المقاومة، يخلصنا من أخطائنا التاريخية التي طالما دفعنا ثمنها.
التعليقات