فهمي هويدي

هل هناك علاقة بين حملة شيطنة السلفيين وبين المرحلة الثالثة من الانتخابات النيابية؟ هذا السؤال تستدعيه عدة مشاهد تتابعت خلال الأيام العشرة التي سبقت الانتخابات، هذه خلاصة لها: يوم 25 ديسمبر فوجئنا ببيان على شبكة الإنترنت يعلن عن تشكيل كيان جديد باسم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أصدره مجهولون أخفوا أسماءهم، لكنهم قالوا إنهم ينتمون إلى حزب النور السلفي. وما إن ظهر البيان حتى نفى المتحدث باسم حزب النور، الدكتور يسري حماد أي علاقة بالمجموعة. وقال إنها جزء من مخطط للنيل من الحزب وتشويه صورته قبل المرحلة الثالثة من الانتخابات. مع ذلك فقد اهتمت الصحف المصرية بالموضوع وأبرزته على صفحاتها الأولى، وحرصت على متابعة تداعياته. فقرأنا بعد ذلك أن الهيئة أعلنت عن تنظيم مسابقة لاختيار شعار لها مقابل مكافأة قدرها 3 آلاف جنيه. ثم قرأنا تفصيلا للشروط المطلوبة في laquo;المطوِّعينraquo; الذين سيقومون بمهمة مراقبة سلوك المواطنين ودعوة الناس لإقامة الصلوات في مواعيدها، بعد إغلاق المحلات التجارية بطبيعة الحال. حيث سيتفرغ كل واحد للعمل 8 ساعات يوميا مقابل 500 جنيه شهريا.
هذه المعلومات استفزت الدكتور عماد عبد الغفور رئيس حزب النور. فقال إن هذه الجماعة المجهولة لو كانت لديها الشجاعة وكانت صاحبة قضية حقا فلماذا لم تعلن عن القائمين عليها، ولماذا آثرت أن يظلوا أشباحا، الأمر الذي يثير شكوكا قوية حول حقيقتها. أحلت السؤال عنهم إلى اللواء عادل عفيفي رئيس حزب الأصالة السلفي. فقال إنها مجموعة مشبوهة وخبث أغراضها مفضوح. وهي في كل أحوالها قادمة من خارج التيار السلفي، ولا يستبعد أن تكون قادمة من خارج مصر كلها.
لم يكن ذلك وحده المحير في الأمر، لأن ما حدث بعد ذلك ضاعف من الحيرة والشكوك. فقد نشر صبيحة الأول من يناير أن بعض السلفيين ذوي اللحى والجلابيب البيضاء حاولوا إجبار رجل على ترك سيارة لنقل الركاب في الزقازيق بحجة أنها للسيدات فقط. وقد حاول الرجل إقناعهم بأن زوجته بين الراكبات وستضل الطريق لو تركها تذهب لوحدها، لكنهم أصروا على إنزاله، الأمر الذي انتهى باشتباك بين الطرفين ومغادرة الرجل وزوجته للسيارة.
في مساء اليوم ذاته نشر الموقع الإلكتروني لإحدى الصحف الصباحية أن بعض السلفيين أصحاب اللحى الذين يرتدون الجلابيب البيضاء ــ أيضا ــ ظهروا في مدينة بنها بمحافظة القليوبية، واقتحموا بعض المحال التجارية ومحلات الملابس ومحلات تصفيف الشعر، وطالبوهم بتعيين فتيات ملتزمات والالتزام ببيع ثياب محتشمة، وطالبوا العاملين بمحلات تصفيف الشعر بالانصراف والبحث عن الكسب الحلال. كما أن مجموعة أخرى من السلفيين قامت بتحطيم أشجار أعياد الميلاد الموجودة بالشوارع وأمام المحال التجارية.
حين سألت من أعرف من المراسلين الصحفيين والمسؤولين في المدينتين عن صحة الخبرين، فإنهم نفوا كل التفاصيل المذكورة، ونقل أحدهم على لسان أحد قيادات جهاز الأمن القومي في بنها قوله: منذ متى تظهر أشجار أعياد الميلاد في شوارع المدينة؟!
بالتوازي مع الأخبار المختلقة ظهرت على الفيس بوك صورة لمجموعة من السلفيين الذين أطلقوا نفس اللحى وارتدوا نفس الجلابيب البيضاء، وهم يلاحقون بعض الشبان بالعصي بينما جنود الأمن المركزي يتفرجون عليهم. وكان التعليق الذي تحت الصورة يحذر ويخوف من اتساع نطاق الغارة التي يشنها السلفيون على المجتمع، إلا أن واحدا ممن قرأوا التعليق فضح الصورة، وذكر أنها منتحلة ومأخوذة من فيلم سينمائي عرض باسم laquo;دكان شحاتةraquo;!
هذه هي الخلفيات التي دعتني إلى طرح السؤال أعلاه، لأنني أشك في أن يكون تكثيف تلك الحملة قبل أيام من الجولة الثالثة من الانتخابات مجرد مصادفة. وهو ما يستصحب أسئلة أخرى هي: (1) هل هناك عقل وراء الحملة أراد إضعاف التصويت للسلفيين، ومن يكون؟ ــ (2) هل الاختلاف مع السلفيين يبرر الدس والاختلاق في حين أن لدينا أكثر من حجة قوية ونزيهة لنقد الفكر السلفي ورد مقولاته؟ ــ (3) ألا يخشى من أن تؤدي مثل هذه الحملة إلى الترويج للفكر السلفي في أوساط بسطاء المتدينين، فنكون بذلك قد حاصرناهم في الانتخابات (التي تنتهي اليوم) ووسعنا من قاعدتهم في الشارع؟
كنت يوم السبت الماضي 31/12 قد كتبت تعليقا في المكان تحت عنوان laquo;أحمقانraquo;. قلت فيه إنه أحمق من يظن أنه يمكن أن يحمل الناس على تغيير سلوكهم بالأمر، وأحمق من يصدق أن بوسعه أن ينجح في ذلك. لكنني الآن أضيف أحمق ثالثا إليهما هو: من ينشر مثل هذه الفرقعات والأكاذيب ويروج لها.