أحمد عبدالملك

يظل ما حصل في اليمن في الآونة الأخيرة محلَ تساؤل ونقاش طويلين، خصوصاً quot;الضماناتquot; التي حصل عليها quot;صالحquot; إثر توقيعه وثيقة نقل السلطة إلى نائبه. والسؤال: لماذا لم توجد مبادرات مشابهة حيال الزعماء الذين أطاحت بهم شعوبهم (في تونس، ومصر، وليبيا)، رغم النصائح الشخصية والمبادرات الفردية التي قدمها بعض الزعماء العرب لثني هؤلاء عن التمسك بالسلطة؟ هل لليمن خصوصية جغرافية أو مقاربات استراتيجية، أم أن quot;صالحquot; قد قرأ أوراق اللعبة quot;متأخراًquot; عندما بدأ يقترب من الزاوية الحادة التي لا منفذ لها إلا بالتوريط الأجنبي أو الاغتيال كما في المحاولة التي شهدها مسجد الرئاسة قبل شهور حيث أصيب إصابات بالغة تعافى من بعضها في السعودية، بينما قتل في الحادث بعض مسؤولي النظام. لقد سرت أنباء عن عزمه السفر إلى الولايات المتحدة للعلاج، ومن ثم يلوذ بدولة خليجية للإقامة، وذلك على خلفية تصريح لأمين عام الأمم المتحدة قال فيه إن quot;صالحquot; أبلغه بأنه سيسلم كل السلطات، وسيأتي إلى نيويورك لتلقي العلاج.


وكان quot;صالحquot; قد ارتجل كلمة وداعية عشية توقيعه وثيقة المبادرة الخليجية، والتي تردّد كثيراً في توقيعها وquot;قرّعَهاquot; لدرجة أنه اعتبرها quot;مؤامرةquot; على بلاده. وللأسف، فإنه سار مع السائرين في فكرة المؤامرة الأجنبية، حيث قال: quot;هذه الثقافة ليست من ثقافتنا بل دخيلة على وطننا العربي. رياح هبّت من المغرب إلى المشرق. إنها ثقافة تأثيرية وليست برامجية أو أجندة داخلية، بل خارجية ننفذها نحن العربquot;. ويقصد الربيعَ العربي، ولكأني به يريد القول: دعوني أحكم اليمن كيفما أشاء، وأقتل المتظاهرين السلميين وأروّعُ الآمنين! ولا يسألُ نفسه: لماذا لم يُدر اليمن إدارة ناجحة طوال ثلاثين عاماً؟ ولماذا لم يقض على الأمية ولم يساهم في تخفيضها، أو يعالج البطالة، أو يقمع الفساد الإداري، ولماذا يحقق أعلى quot;النسب المؤيةquot; للمشاريع المنفذة داخلياً لصالح المقربين منه؟
والسؤال مرة أخرى: لماذا تلك الضمانات لـquot;صالحquot; دون غيره من الرؤساء المُطاح بعروشهم؟ لربما كان ذلك بحكم الجوار الجغرافي لدول مجلس التعاون الذي يحرص العالم كله على أن يكون بمنأى عن أية قلاقل واضطرابات. ولربما كان احترازاً لما يمكن أن يُقدم عليه أنصارُ quot;صالحquot; وعائلته المسلحين من زجّ البلاد في أتون حرب أهلية لا يمكن التنبؤ بنتائجها، ولعل أهمها النزوح المليوني المتوقع . إذ ماذا يُتوقع إذا تم ذاك النزوح المليوني لشعب عاطل عن العمل ويحمل السلاح؟!

ولربما من ناحية أخرى توجيه مناوئي المبادرة، الذين يطالبون بمحاكمة quot;صالحquot; على ما اقترفه من عنف أدى إلى سقوط المئات من أبناء اليمن، نحو التصالح. لكن شباب الثورة اعتبروا الاتفاق (المبادرة الخليجية)، وإن أدانت استخدام حكم quot;صالحquot; القوة العسكرية في حكم البلاد، أمراً ليس كافياً.

إلا أن معارضين رأوا أن تلك الضمانات ستكون لها آثار إيجابية لتجنيب اليمن الحرب الأهلية، التي عانى من نظيراتها في السابق.

ويبدو أن توقيع quot;صالحquot; للمبادرة قد خلق انشقاقاً في quot;حزب المؤتمر الشعبي العامquot; الحاكم، حيث رأى أعضاء الحزب أن توقيع المبادرة (الاتفاق) بمثابة quot;تنازلquot; وquot;تجاوز لإرادة الأغلبية الشعبية... التي لا تزال تدعم الشرعية الدستورية في البلادquot;. كما طالب أعضاء في الحزب بضرورة تراجع quot;صالحquot; عن توقيعه وعدم تقديم أية تنازلات للمعارضة.

إذن فالصورة ليست كما نراها في الفضائيات والصحف، حيث يطغى الخبر الأقوى على الخبر الجانبي، لكن الصورة الحقيقية في اليمن -رغم توقيع الاتفاق- لا تزال تحمل أبعاداً متحركة ومتلونة، وهذا ما يمكن أن يشعل فتيل الحرب الأهلية التي حاولت المبادرة تجنبها.

ومع بداية العام هدّد العنف والانقسام والولاءات المتعددة -في الأجهزة التي لا يزال أقرباء الرئيس يسيطرون عليها- بإفشال المبادرة وإحباط انتقال السلطة. فقد قتل في quot;تعزquot; يوم 2/12/2011 عشرون شخصاً، كما هدد رئيس الوزراء المكلف (باسندوه) بإعادة النظر في الموقف، ما لم تتوقف المجازر في تعز التي قد تكون بؤرة متقدمة للعنف في قادم الأيام. وتم تبادل اتهامات بين المعارضة البرلمانية والحكومة بأن هذه الأخيرة تساهم في تأجيل تشكيل اللجنة، ربما لاستكمال الانتقام، أو للتملص من بنود المبادرة. واتهم quot;محمد قحطانquot; المتحدث باسم quot;اللقاء المشتركquot; أقارب quot;صالحquot; الذين يمسكون بالمناصب الحساسة في الأجهزة الأمنية والعسكرية. والأنكى من ذلك أن أحد قياديي quot;ثورة الشبابquot; أكد لوكالة الأنباء الفرنسية أن quot;المحتجين غير معنيين بالاتفاقات بين الحزب الحاكم والمعارضةquot;، وقال: quot;نحن أصلاً لم ندخل في الثورة من أجل تقاسم المعارضة والسلطة الحقائب الوزارية... لا نشعر بالإحباط... ونحن مستمرون في ساحة التغيير حتى إسقاط كامل رموز الفساد والتأسيس لدولة مدنية حديثةquot;.

وفي النهاية قالت الأمم المتحدة كلمتها في الشأن اليمني، بعد توقيع المبادرة، حيث توعّد مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن (جمال بن عمر) بفرض عقوبات من مجلس الأمن الدولي ضد أي طرف يثبت سعيه لعرقلة الاتفاق على المبادرة الخليجية أو تنفيذ بنودها، حسب الآلية المثبتة فيها والتي وافقت عليها جميع الأطراف!